دور المدن الذكية والأمن الإلكتروني في تحقيق المرونة

ظهور المدن الذكية

يقطن أكثر من نصف سكان العالم اليوم في المدن، وبحلول العام 2050 يُتوقع أن ترتفع هذه الزيادة لما يُقارب الـ %70. وبالتوازي مع التوسع الحضري المتسارع في العديد من مدن العالم، ساهم التقدم التكنولوجي في زيادة انتشار المعلومات الرقمية المتعلقة بالأفراد والأماكن والأشياء التي يتم إرسالها وتحليلها عبر تكنولوجيات الشبكات الفعالة وأدوات التحليل، حيث يُعرّف الانتشار الرقمي على أنه التقاء إنترنت الأشياء والتوسع الحضري معًا لإنتاج نموذج المدن الذكية.

وتعتبر المدن الذكية، إضافة لكونها متقدمة من الناحية التكنولوجية، منصة للتعزيز الشامل والمستدام لجميع الجوانب التي تخص المجتمع، ويعتبر تحقيقها أمراً ليس سهلًا.

 

تطور المدن الذكية

في حين أن التوسع الحضري والتطور التكنولوجي وضعا أسس المدن الذكية، إلا أن جائحة فيروس كوفيد-19 التي ظهرت في العام 2020 قد تؤثر  على تشكيل تلك الأسس وتطبيقها على المدى البعيد، حيث ساهمت إجراءات التباعد الاجتماعي التي تم فرضها للحد من انتشار الفيروس في التأثير على عمليتي التسارع والتحول التي تشهده تكنولوجيات المدن الذكية وخدمات الرعاية الصحية والوظائف والتعليم والتجارة والتمويل والأمن والترفيه والخدمات الغذائية وتنقل الأفراد، إضافة للعديد من الأنشطة التفاعلية التي يقوم بها السكان.

وتركز المدن الذكية على أساسيات إنترنت الأشياء الذي تقوم عليه التطبيقات المستخدمة في مجالات معينة والتي بدورها شهدت تطورًا وتوسعًأ في سبل الاستفادة منها. ففي قطاع الرعاية الصحية مثلاً، ظهرت تقنيات حديثة شملت الطب عن بعد وتتبع المريض وتحليل أنماط حركة الأفراد والعناية بالمريض عبر الروبوت والتي ساهمت جميعها في إحداث نقلة نوعية في مخرجات القطاع تمثلت بالتحول من التعامل الشخصي مع المريض إلى التفاعل الرقمي. وكذلك الحال بالنسبة لقطاع النقل في المدن الحضرية والذي يشهد تغيرات ملحوظة نتيجة للتغيير الحاصل على الممارسات الاجتماعية التي سببتها الجائحة وسياسات الحكومة التي تم تطبيقها للقضاء على الفيروس.

وتواجه معظم المدن الذكية تحديًا في عملية التقدم يتمثل في العصر الجديد المليء بالصعوبات لا سيما في مجال الصحة والمرونة التي يجب أن تُؤخذ عواملها في الحسبان عند التعامل مع ظاهرة تغير المناخ. وكما هو الحال في جائحة فيروس كورونا، يعتبر تغير المناخ قضية عالمية تستدعي الوقوف عليها والحد منها من خلال جهود الدول التي تركز على التصميم والتنفيذ وإدارة العمليات في المدن الذكية.

وتشكل السرعة المتزايدة في وتيرة الانتشار الرقمي عبئًا كبيرًا على البنية التحتية في المدن الذكية لما ينتج عن التكنولوجيات المعلوماتية والتشغيلية من خدمات جديدة تتطلب إمكانات كبيرة. ومن جهة أخرى، إذا دُمجت التكنولوجيات التشغيلية القديمة مع الحديثة تصبح تكنولوجيات غير آمنة، في حين أن دمج الأجهزة الرقمية غير الآمنة يساهم في تعزيز أهمية الأمن الإلكتروني والمرونة الإلكترونية.

يذكر أنه من أهم المعايير التي يجب أن تترأس قائمة جدول أعمال الأمن الإلكتروني والمرونة الإلكترونية في المدن الذكية موضوع المحافظة على السرية والنزاهة وتوفر المعلومات في الفضاء الإلكتروني والقدرة على التخلص من المشكلات الإلكترونية بشكل سريع.

 

خطة مستقبلية للمدن الذكية

يلعب تبادل الخبرات الدولية والتكنولوجيات الحديثة دورًا هاماً في تحقيق الأمن الإلكتروني والمرونة الإلكترونية في المدن الذكية. وفي هذا الإطار، تشترك كل من دولة الإمارات وسنغافورة وإسرائيل في أهدافها الرامية إلى تحقيق الابتكار والأمن الإلكتروني في سياق المدن الحضرية، حيث تحظى كل دولة بمكانة مرموقة في التصنيفات الدولية المتعلقة بالابتكار. وتعتبر سنغافورة على وجه الخصوص دولة متقدمة في مجال الابتكارات التي تركز على تكنولوجيات المدن الذكية، في حين تعتبر إسرائيل دولة رائدة عالمياً في مجال الابتكارات التي تركز على الأمن الإلكتروني. أما دولة الإمارات فقد تمكنت من تأسيس رؤية للمدن الذكية بشكل سريع تتعلق بالتطورات الحاصلة في في إمارتي أبوظبي ودبي، كما أنها تحظى بمبادرات واضحة لضمان تحقيق الأمن والمرونة الإلكترونية في تلك المدن اشتملت على تشكيل مجلس الأمن الإلكتروني في العام 2020 والذي يتولى إدارته رئيس الأمن الإلكتروني.

وقامت دبي أيضاً بـوضع استراتيجية الأمن الإلكتروني، وفي أبوظبي تم تأسيس مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة عام 2020 وحددت استراتيجيات البحث والتطوير التي تضع الأمن الإلكتروني على رأس أولوياتها من خلال ضمها لمجالات تشمل التشفير والأمن الرقمي والأنظمة الآمنة، والتي تعتبر  من أهم المجالات البحثية السبعة في الإمارة.

ويتضمن جدول أعمال التعاون المشترك الذي يضم كلًا من دولة الإمارات وسنغافورة وإسرائيل في مجال المدن الذكية تبادل أفضل الممارسات المتعلقة بالأطر القانونية والتنظيمية، إضافة للمشاركة في الاستثمار التكنولوجي. وعلى صعيد آخر، يساهم تطوير المنظومة البيئية في تعزيز الاستدامة على المدى البعيد، وهو ما يتطلب مبادرات فعالة تركز على رأس المال البشري والبحث والتطوير والابتكار، حيث يعتبر تطوير رأس المال البشري أمراً في غاية الأهمية في ظل نقص المهارات المتخصصة بالأمن الإلكتروني.

كما يساهم البحث والتطوير في دعم عملية تطوير رأس المال البشري وتعزيز المنهجيات الحديثة الخاصة بالمدن الذكية والأمن الإلكتروني والمرونة، وتشمل عمليات البحث والتطوير حماية الأجهزة المتطورة والتطبيقات المتعلقة بتقنيات الأنظمة الذكية وتطبيق البلوك تشين، إضافة لتكنولوجيات الكم والتي سيتم تطبيقها في السنوات القادمة.

ويلعب الابتكار أيضًا دورًا بارزًا في بناء رأس المال البشري والنهوض في البحث والتطوير والذي يؤدي إلى الحصول على تكنولوجيات حديثة يمكن الاستفادة منها في التطبيقات المختلفة، حيث أن التعاون بين كل من البحث والتطوير والابتكار يعزز التركيز على قطاعات المدن الذكية التي تشهد نموًا متسارعًا. فعلى سبيل المثال، قد تساهم إعادة النظر في قطاعي الرعاية الصحية والنقل اللذين تأثرا بجائحة كوفيد-19 في سياق البحث والتطوير والابتكار، إضافة للتعاون وتركيز الجهود في هذين المجالين في تحقيق نتائج كبيرة.

يُذكر أن كلًا من التوسع الحضري والتكنولوجي يقومان بدور كبير وفعال في قيام المدن الذكية التي قد تواجه بعض التحديات لإنشائها، ويمكن الحد من تلك التحديات من خلال التعاون بين جميع الدول ذات الاهتمام المشترك والمتمركز حول تحقيق الأمن لمستقبل المدن الذكية، حيث تمكنت دولة الإمارات وسنغافورة وإسرائيل من الاستفادة من هذا التعاون الشامل الذي ركز على رأس المال البشري والبحث والتطوير والابتكار ونتج عنه العديد من التطبيقات ذات الأهمية.