قام فريق من الباحثين من جامعة خليفة بتطوير منصة قائمة على تكنولوجيا البلوك تشين، تستخدم التوائم الرقمية التي تُعرَف بالتمثيل الافتراضي للواقع، إضافةً إلى الرموز الديناميكية غير القابلة للاستبدال، لإحداث ثورة في المرحلة النهائية من عملية توصيل المنتجات والسلع التي أصبحت تحديًا كبيرًا بالتزامن مع استمرار نمو التجارة الإلكترونية، خاصةً أن الارتفاع الكبير في الطلب قد سلّط الضوء على أوجه القصور الكبيرة في مجال مراقبة الطرود وأمنها، لا سيّما عند التعامل مع المواد ذات الطبيعة الحساسة أو القابلة للتلف مثل اللقاحات والأغذية.
يقوم النهج المبتكر، الذي طوره أعضاء الفريق، على تلبية الاحتياجات المعقدة الخاصة بهذه الخطوة الأخيرة في عملية التوصيل من مركز التوزيع إلى المستلم من خلال الاستفادة من العقود الذكية والقدرة على المتابعة المباشرة.
يضم الفريق البحثي فيروز المي والدكتورة مها قدادحة والدكتورة رباب مزوني والدكتور شاكتي سِنغ والأستاذ الدكتور هادي أُطرُق والأستاذ الدكتور عزام مراد، من مركز الأنظمة الفيزيائية الإلكترونية بجامعة خليفة، ونُشر البحث في "إنفورميشن بروسِسنغ آند ماناجمِنت"، المُدرَجة ضمن أفضل المجلات العلمية.
يُعَد التوصيل في مرحتله النهائية الجزءَ الأكثر تعقيدًا وتكلفة في سلسلة التوريد، فهو يتضمن التنقل في الطرق المحلية والتعامل مع حركة المرور وتلبية توقعات العملاء فيما يتعلق بسرعة التوصيل. إضافة لذلك، ارتفع الطلب على الحلول المتعلقة بالمرحلة النهائية من عملية التوصيل المتسمة بالكفاءة وتوفير التكلفة مع استمرار ازدهار التجارة الإلكترونية.
أوضح الأستاذ الدكتور هادي قائلًا: "يتمثل أحد أكبر التحديات، التي تواجه المرحلة النهائية في عملية التوصيل، بعدم القدرة على مراقبة أوضاع الطرود بشكل مباشر، حيث توفر أنظمة التتبع التقليدية تحديثات حول مواقع الطرود لا تشمل بياناتٍ مهمة مثل درجة الحرارة، وهو أمر ضروري للمنتجات ذات الطبيعة الحساسة. ولكن يدمج نظامنا التوائم الرقمية التي تمثّل نماذج افتراضية للمنتجات الفعلية، في عملية التوصيل، كما يراقب التوأم الرقمي للمنصة المتغيرات الرئيسة مثل درجة الحرارة والرطوبة من خلال تضمين مستشعرات داخل الطرود، وهو ما يضمن بقاء كل طرد في ظروف آمنة طوال رحلته.”
تتيح التوائم الرقمية أيضًا قدرات تنبؤية، حيث يمكنها محاكاة المخاطر المحتملة وإخطار موظفي التوصيل فور تعرض الطرد لظروف قاسية. وتقوم هذه الوظيفة بدورٍ هامٍ عند توصيل سلع مثل المواد الدوائية، خاصة أن أدنى التغيّرات في درجة الحرارة قد تعرّض جودة المنتج للخطر. لذلك، تتيح هذه الطريقة لموظّفي التوصيل اتّخاذ الإجراءات المناسبة قبل تفاقم المشكلة من خلال تلقّيهم تنبيهاتٍ فورية.
يسهم الحل الذي ابتكره الفريق البحثي في تعزيز الثقة والشفافية باستخدام تكنولوجيا "البلوك تشين"، حيث يوفر ثبات هذه التكنولوجيا سجلًا آمنًا ولامركزيًا لرحلة كل طرد ابتداءً من المرسل ووصولًا إلى المتلقي، كما عزز الفريق تطويرها من خلال دمج الرموز الديناميكية غير القابلة للاستبدال.
وقال الأستاذ الدكتور هادي: تُعد الرموز غير القابلة للاستبدال أصولًا إلكترونية متميزة لا تتغير بمرور الوقت، ولكن تتطور مع إضافة معلومات جديدة، ما يجعلها مثالية للمتابعة المباشرة في خدمة التوصيل". وأضاف: "يُعيَّن رمزٌ غير قابل للاستبدال لكل طرد ليحصل على كافّة البيانات اللازمة التي تشمل مصدر الطرد شروط التوصيل الخاصة بها، حيث يُحدّث التوأم الرقمي البيانات التعريفية لـلرمز غير القابل للاستبدال إذا اكتشف أي اختلافات في حالة الحزمة، ما يؤدي إلى إنشاء سجلٍّ غير قابل للتغيير للأحداث، وتُخزَّن هذه البيانات بشكل آمن على "البلوك تشين"، بحيث يكون بإمكان أي شخص لديه الصلاحية التحققَ من سجل الطرد. جدير بالذكر أن هذه الشفافية لا تسهم في تعزيز ثقة المستهلك فحسب، وإنما تحمي أيضًا موظفي التوصيل من النزاعات من خلال توفير سجل موضوعي.”
يتيح هذا النظام فرصة كبيرة لخفض التكاليف مع تعزيز الكفاءة، فقد تصل تكاليف المرحلة النهائية في التوصيل نسبة 50% من إجمالي النفقات اللوجستية، ويحقّق النظام هذا من خلال دمج التوائم الرقمية وتكنولوجيا "البلوك تشين" والرموز الديناميكية غير القابلة للاستبدال، حيث أنشأ أعضاء فريق جامعة خليفة منصة مرنة وشفافة وذات قابلية عالية للتكيف يمكنها تحويل الصناعات التي تعتمد على المنتجات ذات الطبيعة الحساسة، وقد أظهرت تجاربهم أن نظامهم قد حسّن نجاح عملية التوصيل بنسبة تجاوزت الـ 75%، كما أسهم تضمين العقود الذكية التي تُكلّف موظفي التوصيل بالمهام بناءً على درجة جودة الخدمة، في تعزيز قابلية المساءلة، حيث يتم تتبع أداء كل عامل وتقييمه بناءً على حالات الطرود التي يتعامل معها.
يمكن لهذا النهج أن يُحدث نقلة نوعية في كيفية إدارة القطاعات الصناعية للمخزون وتحسين الخدمات اللوجستية وحماية جودة المنتج عبر سلاسل التوريد، من خلال الجمع بين المراقبة الفورية والمعلومات التنبؤية.