شارك الدكتور محمد رامي المعري، الأستاذ المشارك في قسم علم الكواكب وعلوم الأرض ومدير مركز علوم الفضاء والكواكب في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، في دراسة حديثة نُشِرَت نتائجها في مجلة نيتشر جيوساينس، أحد أهم المجلات العلمية في مجال علوم الأرض، حيث أجرى فريق من الباحثين الدوليين بحثًا تفسر دورة الماء على كوكب المريخ. وتضمنت الدراسة صورًا عالية الدقة التقطها مسبار تتبع مداري معروف باسم "تريس غاس أوربيتر" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية والتي أظهرت وجود رواسب جليدية في فترة الصباح على الفوهات البركانية في منطقة هضبة "ثارسيس" البركانية الواسعة القريبة من خط الاستواء، الأمر الذي سيكون له نتائج ودلالات هامة ستؤثر في فهمنا لدورة الماء على المريخ وإمكانية الاستفادة منه في دعم البحوث والاكتشافات البشرية المستقبلية.
تضم منطقة هضبة ثارسيس عددًا من أضخم البراكين في النظام الشمسي، حيث أظهرت عمليات الرصد التي قامت بها منظومة تصوير سطح المريخ عالي الدقة والتي يحملها المسبار وجود رواسب جليدية لونها مائل إلى الزُّرقة على قيعان وحواف الحفر البركانية، حيث تتشكل خلال فترات الصباح الباردة على كوكب المريخ، لكنها سرعان ما تختفي بحلول فترة ما بعد الظهيرة، وتتكون هذه الرواسب الجليدية بصفة أساسية خلال الفصول المناخية لكوكب المريخ الأشد برودة.
وأكدت البيانات والصور الطيفية التي التقطتها المركبة الفضائية "مارس إكسبرس" نتائج عمليات الرصد هذه، كما تشير نتائج عمليات محاكاة النموذج المناخي إلى أن درجات الحرارة على سطح المريخ حاليًا منخفضة بما يكفي لدعم تكون الجليد المائي بدلًا من جليد ثاني أكسيد الكربون. وتشير هذه النتائج إلى أن الصقيع ناتج في الأصل عن الغلاف الجوي وليس بسبب أي نشاط بركاني، الأمر الذي يعتبر مهمًا بالنظر إلى الموقع الذي تتكون فيه الرواسب الجليدية.
وتركز الدراسة التي أجراها الفريق على دور عوامل المناخ المحلي في تكوين الرواسب الجليدية المحلية ومساهمتها في دورة الماء الأوسع نطاقًا على كوكب المريخ. ويدل وجود رواسب جليدية، خلال فترة الصباح في هذه المنطقة ثم اختفائها في فترة ما بعد الظهيرة، على وجود تبادل نشط للماء بين سطح المريخ والغلاف الجوي. ويعزز هذا الاكتشاف مستوى فهمنا للعمليات الهيدرولوجية التي تجري حاليًا على سطح المريخ ومدى إمكانية المهام الفضائية البشرية مستقبلًا للاستفادة من الموارد المائية المحلية.
وتُعَد المياه موردًا هامًا لأي وجود للبشر محتمل على سطح المريخ، ويوفر اكتشاف هذه الرواسب الجليدية دليلًا على أن دورة المياه لا تزال نشطة على سطح الكوكب وإن كانت بكميات قليلة.
يُذكر أنه لا بد من إجراء المزيد من الدراسات لفهم الآليات التفصيلية لتشكّل الصقيع وأشكاله الموسمية، لاسيما أننا نواصل استكشاف المريخ بالمزيد من المهام الفضائية والمعدات المتطورة، والذي من شأنه أن يقربنا أكثر إلى الكشف عن أسرار الكوكب الأحمر والاستعداد لإمكانية استكشافه من قبل الإنسان.
سيد صالح
أخصائي ترجمة وتعريب