ست خطوات فعالة لتحقيق الحياد الكربوني

اقترح مجموعة من الباحثين منهم الدكتور ستيف جريفث ست خطوات لتسريع الحياد الكربوني بحلول العام 2050 وهو هدف هام يساهم في التخفيف من مشكلة تغير المناخ والحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

استحوذ القطاع الصناعي العالمي على 38 في المئة من إجمالي الاستخدام النهائي للطاقة في عام 2020، ويعتبر هذا القطاع أيضًا الأكثر ارتفاعًا في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والمصدر الأكبر عالميًا لانبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة أكثر من الثلث في حال احتساب استهلاك الطاقة الكهربائية وإنتاج الطاقة الحرارية.

وقد كان القطاع الصناعي محميًا من سياسات الطاقة والمناخ بسبب بعض المخاوف المتعلقة بفقدان الوظائف والتنافسية المحلية وتسرب الكربون عبر الحدود. ويرى الباحثون أن عملية التخلص السريع والعميق من الكربون، الناتج عن الصناعة العالمية، هي أساس تحقيق أهداف السياسات المناخية. وفي هذا الإطار، توصل الدكتور ستيف جريفث، نائب رئيس أول في البحث والتطوير وأستاذ الممارسة في جامعة خليفة خليفة، إلى جانب كل من الدكتور بنجامين سوفاكول من جامعة ساسكس وجامعة بوسطن والدكتور جنسو كيم من جامعة هانيانغ والدكتور مورغان بازيليان من جامعة كولورادو، إلى التحديات ووضعوا الحلول المتمثلة بست خطوات فعالة تهدف إلى تسريع عملية تحقيق الحياد الكربوني في القطاع الصناعي بحلول العام 2050. وتتمثل الخطوات بالآتي، زيادة التمويل بمعدل خمسة أضعاف وتسريع عمليات نقل التكنولوجيا والاستثمار في الموارد البشرية ووضع الأهداف الملزمة وإدارة القبول الاجتماعي وتشكيل المعاهدات العالمية الجديدة والأندية المناخية.

وتم نشر هذا المشروع البحثي في المجلة الدولية "إنيرجي ريسيرتش آند سوشال ساينس" التي تعتبر واحدة مما نسبته 1% من أفضل المجلات في مجال الطاقة.

من جانبه، قال الدكتور ستيف: "يمكن تحقيق الحياد الكربوني في عدد قليل من القطاعات، كقطاع الكهرباء والإنشاء، لكن هذه فقط حالات استثنائية وليست معيارًا أساسيًا"، مشيرًا إلى صعوبة القطاع الصناعي بشكل خاص.   

وأضاف: "توجد هناك ابتكارات فعالة وتحويلية واعدة يمكن الاستفادة منها للحد من انبعاثات الكربون الصناعية، إلا أن تطبيق هذه الابتكارات عالميًا يعد أمرًا صعبًا حيث لا تستطيع جميع الدول أن تعتمدها بشكل سريع وفعال.

وتتضمن تلك الابتكارات استخدام الحديد المخفف الذي يقوم على الهيدروجين قليل الكربون وخالي الكربون في صناعة الصلب واتّباع مجموعة المنهجيات المتمركزة حول الحد من الكربون قادرة على توفير الإمدادات الموحدة جغرافيًا وتحقيق التوازن في الطلب بهدف توسيع نطاق التكنولوجيات الشاملة كالتقاط الكربون والهيدروجين منخفض الكربون. وتوجد كذلك مجموعة من الإجراءات للحد من غازات الاحتباس الحراري الأخرى، كغاز الميثان وأكسيد النيتروس والغازات المعالجة بالفلور، لا تزال قيد التنفيذ لتحقيق الحياد الكربوني في جميع الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

ووفقًا للباحثين، حالت مجموعة العوامل التي تشمل التحديات المالية وعدم كفاية البنية التحتية ونقص المهارات اللازمة لدى القوى العاملة والاعتبارات المتعلقة بالاقتصاد السياسي، دون تطبيق الجهود الضرورية لتنفيذ الابتكارات التحويلية عالميًا، إضافة للحاجة إلى الحلول المصممة بشكل محدد حسبما يتطلب السياق. 

قال الدكتور ستيف: "على الرغم أنا نسمي الإجراءات اللازمة بـ "الخطوات"، إلا أنها ليست متسلسلة ويمكن اتخاذها بشكل عشوائي والبدء بها فورًا. وسيقوم البدء بهذه الخطوات الآن بتحويل أكبر مصدر للطلب على الطاقة والأكثر إطلاقًا لغازات الاحتباس الحراري  من مشكلة ملحة إلى حل فعال يتضمن بنية تحتية خالية من الكربون وممارسات تصب في مصلحة المناخ مستقبلًا".

ويرى أعضاء الفريق البحثي أن هذه الخطوات ليست متسلسلة وأن تحدي تحقيق الحياد الكربوني يبدأ من نقطة توفير الأموال.

وعلى صعيد آخر، يعد توسيع نطاق الدعم المالي الدولي في مجال الحياد الكربوني الصناعي، لا سيما في الدول النامية، أمرًا في غاية الأهمية. يقول الباحثون أنه لابد من زيادة حجم الإنفاق السنوي على إجراءات تحقيق الحياد الكربوني الصناعي لتصل إلى أكثر من سبعة أضعاف بحلول العام 2030 مقارنة بمستوى الاستثمارات في الفترة ما بين 2016 و2021. وتشير بعض التوقعات إلى ضرورة أن تصل الزيادة في حجم الإنفاق على الإجراءات إلى 10 أضعاف لتحقيق أهداف الحياد الكربوني.

وأضاف الدكتور ستيف: "تهدف آليات النقل المباشر المتنوعة إلى تقديم الدعم المالي للدول الذي يتمثل بالمنح المالية المسبقة والتمويل خلال العمليات، كما تُستكمل هذه الآليات بآليات أخرى تهدف إلى تسهيل الوصول إلى التمويل وتتمثل بآليات تغطية المخاطر والقروض والاستثمارات في الأسهم".

وفي هذا الصدد، تحتاج الدول في قارة إفريقيا إلى استثمار حوالي 16 مليار دولار أمريكي لتقليص حجم انبعاثات الكربون في مصانع تكرير النفط لتحقيق أهداف القارة فيما يتعلق بتغير المناخ، وفي نفس الوقت زيادة الطلب على الطاقة في القارة. ويعتبر تعزيز نشر بدائل التخلص من الكربون عن طريق أنماط جديدة من التمويل أمرًا في غاية الأهمية لتلبية جميع حاجات التخلص من الكربون في الدول النامية في مختلف أنحاء العالم.

وقال الدكتور ستيف: "تركز آليات التمويل على تسهيل اعتماد مجموعة من الحلول تشمل التحول إلى الكهرباء وكفاءة المواد واتباع تكنولوجيات التقاط الكربون والهيدروجين منخفض الكربون للحد من الكربون في المصانع ذات انبعاثات كربونية عالية جدًا والتي تتضمن مصانع الحديد والصلب والمواد الكيميائية". ويعد التقاط الكربون والهيدروجين عاملين أساسيين في القطاعات التي تتضمن انبعاثات من المواد الخام كالمواد الكيميائية والمنتجات النفطية المكررة.

ويمثل الدعم المالي المباشر، الذي قد يأتي على شكل قروض وضمانات ائتمانية ساهمت في إدارة تطوير السكك الحديدية والممرات المائية وغيرها من خدمات البنية التحتية بهدف تسهيل عمليات التخلص من الكربون خلال عمليات الشحن طويلة المسافة في البرازيل، نموذجًا للعديد من أشكال آليات التمويل المتعلقة بتحقيق الحياد الكربوني في القطاعات الصناعية على نطاق واسع.

قد يكون ضمان التمويل الكافي أمرًا ضروريًاـ لكنه لن يكون كافيًا بشكل عام، لذلك ركز الفريق البحثي على أهمية تسريع عملية نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية ومنح الأولوية إلى الجزء الجنوبي من العالم، فهو الجزء الذي يُتوقع أن ترتفع فيه معدلات الطلب على صناعة الطاقة وبالتالي زيادة انبعاثات الكربون بشكل كبير.

وقد تتم الاستفادة من آليات نقل التكنولوجيا، التي تم تطويرها واستخدامها استجابة لجائحة كوفيد-19، حيث يرى الفريق البحثي أنه يمكن الاستفادة من آليات نقل التكنولوجيا للتغلب على تحديات الملكية الفكرية المتعلقة بتكنولوجيات التقاط الكربون وحفظه وخلايا الوقود  وغيرها.

إضافة لذلك، هناك حاجة لوجود استجابة لمشكلة وشيكة وهي العجز الكبير في المهارات لمنعها من الحيلولة دون تحقيق قطاعات صناعية خالية من الكربون. ووفقًا للباحثين، يوجد نقص كبير بعدد عمال اللحام من ذوي المهارات والمهندسين المدنيين والميكانيكيين على المدى القصير، لكن يحتاج سوق العمل على المدى البعيد أفرادًا يتمتعون بمهارات رقمية لمواكبة مستويات الأتمتة الصناعية الآخذة بالارتفاع، حيث يعتبر الاستثمار في القدرات والموارد البشرية أمرًا هامًا لمستقبل الحياد الكربوني.

وفي هذا الإطار، ينبغي أن تُمنح التعاونات الصناعية الأولوية.

وقال الدكتور ستيف: "تقتضي بعض التحديات الطارئة والملحة في مجال الحياد الكربوني وتغير المناخ تعاونات عابرة للحدود، خاصة أن بعد أن أثبتت أنظمة إدارة المناخ التقليدية المتمركزة حول الدول والمؤسسات الحكومية الدولية عدم كفايتها، حيث نحتاج لوضع القواعد الدولية والشهادات والمعايير العالمية المتخصصة بالإنتاج الصناعي منخفض الكربون من خلال إنشاء مؤسسات جديدة والمؤسسات القائمة في الوقت الحالي المعنية بالإصلاح بعيد المدى. بمعنى آخر، نحتاج إلى آلية لتحقيق منهجية سريعة منسقة تشمل جميع القطاعات لتعبئة الموارد الكافية وتفادي التنافس غير المنصف وتسرب الكربون للوصول لصناعة خالية من الكربون".

وبعيدًا عن التحديات الاقتصادية والسياسية والفكرية، يتطلب الأمر تركيز الانتباه على الأفراد من الجانب الاجتماعي للتغيير الصناعي. ووفقًا للباحثين، يعتبر القبول الاجتماعي والرأي العام عناصر أساسية لتحقيق التحول الناجح إلى الحياد الكربوني وغيره من المفاهيم ضمن السياق الصناعي. لذلك، تتطلب السياسات في المجتمعات التي يترك بها التحول الصناعي آثارًا  اقتصادية اجتماعية قبولًا وتأييدًا من أفراد المجتمع.

وأضاف الدكتور ستيف: "لن يحدث الحياد الكربوني الصناعي العالمي دون تضافر جهود مؤسسات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني وأفراد المجتمع، حيث يتطلب الوصول إلى الحياد الكربوني الناجح الأموال الكافية والوظائف ونقل التكنولوجيا والتنسيق ما بين مجموعة من الجهات الفاعلة، إضافة إلى ضروة تشكيل أنماط القبول الاجتماعي وتنفيذ نماذج جديدة في إدارة المناخ العالمي".