على الرغم من الطلب الكبير على التكنولوجيات النانوية هناك القليل من البحوث التي تركز على آثارها في البيئات المائية
باحثون من جامعة خليفة وآخرون دوليون يكشفون عن أثر الجسيمات النانوية في البيئات المائية

ساهم بعض الباحثين في السابق في دراسة آثار الجسيمات النانوية على أنواع معينة من الكائنات البحرية كلٌّ على حدة. ومؤخرًا، توصل فريق بحثي من جامعة خليفة وبإشراف الأستاذ الدكتور ديفيد شيهان إلى اعتبار مجموعة الجسيمات النانوية المصنعة والأكثر شيوعًا موادًا ضارة تؤثر على فصيلة من المحار.

ونشر الأستاذ ديفيد، عميد كلية الآداب والعلوم، نتائج دراسته في المجلة الدولية "ساينس من ذا توتال إنفايرومنت" بالتعاون مع مجموعة من الباحثين الدوليين وهم، إلاريا ماريسا وماريا غابرييللا مارين وفاليريو ماتوتزا من جامعة بادوفا وديفيد أسنيكار وماركو باروليني من جامعة ميلان ونيكولا بريانيز من معهد الطاقة والمراحل المتداخلة في إيطاليا، إلى جانب ماريا فيدوروفا ورالف هوفمان من جامعة لايبتزغ في ألمانيا.

قال الأستاذ ديفيد: "تتعرض الكائنات الحية إلى مركبات معقدة من الملوثات في بيئاتها، ويكمن تحدي دراسة أثر المواد السامة في البيئة المائية في فهم مجموعة الآثار مجتمعة التي يسببها التعرض لهذه المركبات، حيث أن القليل من المعلومات التي تتوفر بشأن معرفة الأثر الذي تخلفه المواد النانوية المصنعة في البيئات المائية".

تعتبر المواد النانوية المعدنية وأكاسيد المعادن ذات فائدة كبيرة في مجموعة من واسعة من التطبيقات التجارية والمنتجات الاستهلاكية، حيث يمكن الاستفادة من خصائص تلك المواد الكهربائية الفريدة من نوعها والضوئية وخصائصها في عمليات التحفيز. وتتميز المواد النانوية أيضًا بصغر حجمها الدقيق، إذ أن سمكها أقل بألف مرة من سمك شعرة واحدة من جسم الإنسان . لذلك، يمكن الاستفادة منها في المواد التي يبلغ قطرها أقل من 100 نانو متر . وعلى الرغم من ذلك، قد تساهم هذه المزايا والخصائص في المواد النانوية في التسبب ببعض المشكلات في المناطق البحرية التي تعد حوضًا من الملوثات الكيميائية والفيزيائية بما فيها الجسيمات النانوية.

وأضاف الأستاذ ديفيد: "أظهرت الدراسات المختبرية المتعلقة بدرجة السمية في المياه النظيفة وأثرها على الكائنات الحية البحرية نتائج عكسية مقارنة بالبيئات المائية التي تحتوي على جسيمات نانوية، وبما أن المعلومات المتعلقة بنسبة تركيز تلك الجسيمات لا تزال غير مكتملة سنستعين بنسب تركيز  متوقعة كمرجع لنا".

وأضاف أيضًا: "من السهل جدًا على الحيوانات البحرية في البيئات المائية الاتصال بالجسيمات النانوية من خلال نظامها الغذائي، ما يؤدي إلى تراكمها في جسم الكائن الحي مسببةً مشاكل في عمليات التأكسد داخل الجسم وتلف في كل من الحمض النووي منقوص الأكسجين "دي إن إيه" وبروتينات الخلية والشبكة البلازمية، كما يمكن أن تُحدث تغيرات في السلوكيات الجينية".

ومن ناحية أخرى، قد تتعرض الكائنات الحية المائية التي تتمتع بأسلوب حياة قليل الحركة وتتغذى على المواد العالقة في المياه لالتقاط الجسيمات النانوية المحيطة بها، ومثال ذلك الكائنات الحية الصدفية كالمحار وبلح البحر التي تقوم بتنقية كميات كبيرة من المياه لالتقاط جسيمات الطعام وابتلاعها، على الرغم من الدور البارز والهام الذي تلعبه هذه الكائنات والذي يتمثل في تدوير العناصر الغذائية ما بين الرواسب البحرية ومياه البحر والذي يساهم بدوره في تعزيز جودة المياه.

يعتبر تحديد آثار الجسيمات النانوية على الكائنات البحرية أمرًا بالغ الأهمية نظرًا لدورها الكبير في البيئة المائية. لذلك، لا بد من الفهم الشامل لطريقة تأثير المواد النانوية المصنعة في البيئات البحرية، فقد ينتج عن تراكم الجسيمات النانوية في أنسجة الحيوانات الصدفية انتقالها لحيوانات أخرى تتغذى عليها ومن ضمنها الإنسان.

وقال الأستاذ ديفيد: "تتوفر الجسيمات النانوية في البيئات المائية بكميات قليلة، لكن قد يساهم وجودها على شكل خليط من المواد المركبة بتأثيرات مختلفة على الكائنات الحية مقارنة بوجودها كمواد منفصلة، حيث يمكن لخليط المواد النانوية المصنعة التفاعل بطرق مختلفة لتحفيز ردود الفعل البيولوجية بمستويات مختلفة. وتعد البحوث والدراسات المتمحورة حول الآثار السامة للمواد المركبة تحديًا أكبر من دراسة أثر  المواد بشكل منفرد".

وفي هذا الإطار، قام الفريق البحثي بدراسة نوعين من أكاسيد المعادن النانوية وهما، أكسيد الزنك وثاني أكسيد التيتانيوم، إضافة لكربون نانوي بهدف تقييم آثار تلك المواد بشكلها المنفرد وفي خليط. وتعتبر  هاتين المادتين من أكثر المواد النانوية إنتاجًا والأكثر شيوعًا واستخدامًا في التطبيقات المختلفة في جميع أنحاء العالم، كما تعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها في مجال دراسة أثر هاتين المادتين كخليط، حيث قام الباحثون بجمع عينات من صنف معين من محار البحر لاختبار أثر  خليط الجسيمات النانوية عليها خلال مدة 7 أيام.

واستعان الباحثون بمنهجية متعددة العلامات الحيوية لتحقيق الفهم الأعمق والأشمل لآثار خليط المواد النانوية في جميع الأنسجة التي تم تحليلها وتبين وجود خلل في آليات التأكسد نتيجة السموم المترتبة على وجود الجسيمات النانوية. وتوصل الباحثون أيضًا إلى أنه خلال الأيام الأولى من الدراسة أظهرت خياشيم المحار وغددها الهضمية قدرة كبيرة على التكيف مع الجسيمات النانوية دون أية أضرار، لكن بعد مرور 7 أيام تسبب الخليط بحدوث تلف كبير في دهون أغشية الخلايا وفي الحمض النووي منقوص الأكسجين "دي إن إيه" في الغدة الهضمية.

وعلق الدكتور ديفيد على هذه الدراسة قائلًا: "تشير نتائج دراستنا إلى أنه يحظى خليط المواد النانوية بآثار سلبية تضر  بمادة الهيموليمف والخياشيم والغدة الهضمية في الكائنات البحرية التي تشمل الصدفيات والمحار على الرغم من اختلاف نسب التركيز.  ونحتاج مستقبلًا لمزيد من الدراسات التي تركز  على أصناف أخرى من الكائنات البحرية التي تتعرض لمشاكل بيئية فيزيائية وكيميائية".