على الرغم من الفوائد العديدة لهذه الصناعة إلا أنها العامل الرئيس المسبب لانبعاث غازات الاحتباس الحراري ويجب التخلص من الكربون الناتج عن عملياتها
فرص وتحديات إزالة الكربون في صناعة تكرير النفط

لتحقيق عالمٍ يتميز  بقيمة انبعاث غازات صفرية مستقبلًا، يتعين على جميع القطاعات الصناعية في دول العالم أن تحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري المسبب لغازات الاحتباس الحراري، ويشمل ذلك قطاع صناعة تكرير النفط التي تصل نسبة استهلاكها للطاقة عالميًا 8%.

تتجه أنظار سكان العالم اليوم بشكل ملحوظ نحو مصادر الطاقة المتجددة، ومع ذلك فإن الطلب على منتجات الوقود الأحفوري لن يتوقف بين ليلة وضحاها خاصة الطلب على المنتجات البلاستيكية. لذلك يعتبر تحسين عملية انبعاث الغازات الناجمة عن تكرير النفط أمرًا في غاية الأهمية بهدف الحد من أثرها على البيئة. فمثلًا، تساهم صناعة تكرير النفط في الولايات المتحدة بإنتاج 198 ميغا طن من ثاني أكسيد الكربون في كل عام وهي نفس كمية الغازات المنبعثة من حوالي 36 مليون منزل.

وفي هذا الإطار، تعاون الدكتور ستيف جريفث، نائب الرئيس الأول للبحوث والتطوير والأستاذ الممارس في جامعة خليفة خليفة، مع فريق بحثي دولي بهدف الخروج بدراسة منهجية نقدية تكشف عن الوسائل التي تساهم في التخلص من الكربون في صناعة تكرير النفط كجزء من تحقيق مستقبل خال من الكربون.

وضم الفريق البحثي كلًا من الدكتور بناجمين سوفاكول من جامعة ساسكس في المملكة المتحدة والدكتور جنسو كيم من جامعة هانيانغ في كوريا الجنوبية والدكتور مورغان بازيليان من جامعة كولورادو للمناجم في الولايات المتحدة الأمريكية وجواو أوراتاني، مهندس بحثي من جامعة خليفة. وتعتبر الورقة البحثية والتي تم نشرها مؤخرًا في المجلة الدولية "إنيرجي ريسيرتش آند سوشال ساينس" جزءًا من برنامج بحثي يقوم به مركز البحوث والابتكار  في إزالة الكربون الصناعي في المملكة المتحدة. وكان الفريق قد ساهم في وقت سابق بنشر ورقة بحثية تركز على إزالة الكربون في صناعات الحديد والصلب والأغذية والمشروبات والزجاج والسيراميك، إضافة لورقة بحثية حول الدور الذي يلعبه الهيدروجين والغازات المعالجة بالفلور في إزالة الكربون الصناعي.

ويرتبط هذا المشروع البحثي المتمحور حول إزالة الكربون الناتج عن تكرير النفط ارتباطًا وثيقًا ببحث الهيدروجين على اعتبار أن صناعة تكرير النفط في الوقت الحالي هي ثاني أكبر مستهلك للهيدروجين عالميًا.

اعتمد الفريق في هذا البحث على منظور اجتماعي تقني لفهم صناعة تكرير النفط وتسليط الضوء على الفرص الرئيسة لإزالة الكربون، والذي سيساهم بدوره في دعم دور مقرري السياسات والباحثين والممارسين من خلال توفير الأدوات اللازمة لتعزيز عملية إزالة الكربون في صناعة تكرير النفط.

 ما هو تكرير النفط؟

يُطلق مصطلح النفط الخام على النفط الذي لم تتم معالجته، أي هو الشكل الأصلي للنفط عقب استخراجه من باطن الأرض وهو نقطة البداية للمنتجات الهيدروكربونية التي تشمل بنزين السيارات والكاز  والألياف الاصطناعية والبلاستيك وإطارات السيارات وحتى أقلام التلوين، ولإنتاج هذه السلع لا بد من معالجة النفط الخام وتكريره.

يحتوي النفط عندما يُستخرج من باطن الأرض على مئات الأنواع من الهيدروكربونات المختلطة مع بعضها، وتحتوي هذه الجزيئات على ذرات الهيدروجين والكربون وتأتي بأطوال وتراكيب مختلفة وبشكل حلقي أو سلاسل أساسية وفرعية تتمتع كل سلسلة منها بخصائص تميزها عن غيرها، الأمر الذي يتيح استخدامها بطرق مختلفة.

وتساهم عملية تكرير النفط في فصل الهيدروكربونات من خلال رفع درجة حرارة النفط، حيث تنفصل الهيدروكربونات وفقًا لدرجة الحرارة التي تتبخر عندها، وتتضمن عملية التكرير الكيميائية أيضًا عمليات أخرى كعملية التكسير التي تعتمد على الحرارة والضغط وفي بعض الأحيان تعتمد على المحفزات لإنتاج مجموعة كبيرة من المنتجات المكررة من النفط الخام.

قال الدكتور ستيف: "أصبحت صناعة تكرير النفط دعامة أساسية في المجتمعات الحديثة، حيث نشأت في منتصف القرن التاسع عشر بهدف تكرير النفط الخام للحصول على الوقود المستخدم في مجال النقل والمواد الأولية البتروكيميائية ومجموعة متنوعة من المنتجات المفيدة، إلا أنه نتج عن هذه الصناعة زيادة في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتلوث جوي محلي، ما ساهم في زيادة الحاجة لإزالة الكربون الناجم عن عمليات هذه الصناعة ودعم إزالة الكربون في القطاعات المستهلكة للمنتجات الهيدروكربونية".

 الاستهلاك الكثيف للطاقة في عملية تكرير النفط

 تتنوع محطات تكرير النفط في تصميمها ودرجة تعقيدها لكن بشكل عام تُقدّر نسبة الاستهلاك العالمي للطاقة في هذه الصناعة بـ 6-8% ونسبة 50% من إجمالي كلفة تشغيل محطة التكرير، حيث تعد جميع العمليات الرئيسة في صناعة تكرير النفط مستهلكة للطاقة بشكل كبير نظرًا للاستخدام المكثف والمباشر للحرارة والبخار. وتتراوح درجات غليان منتجات الهيدروكربون، فمثلًا، تبلغ درجة الغليان لإنتاج الغاز المستخدم للتدفئة والطبخ وصناعة البلاستيك 40 درجة سلسيوسية، أما لإنتاج الأسفلت والقطرات فتصل درجة الغليان إلى ما يزيد عن 600 درجة سلسيوسية.

وتمثل "المعالجة الحرارية" العملية الرئيسة المسببة لانبعاث غاز الكربون. ففي الولايات المتحدة، تبلغ نسبة الكربون في عملية التكرير لإنتاج البنزين 63% ونسبة 25% لإنتاج الديزل ونسبة 6% لإنتاج وقود الطائرات.

وأضاف الدكتور ستيف: "وفقًا لوكالة الطاقة الذرية، يقدر حجم ثاني أكسيد الكربون المنبعث عن إنتاج برميل نفط متوسط بـ 95 كيلو غرام. وتختلف نسب انبعاثات الكربون من محطة تكرير  إلى أخرى باختلاف إنتاج المواد الأولية، حيث يمكن أن يصل معدل الانبعاث في أحد محطات التكرير  إلى أقل من 45 كيلو غرام من ثاني أكسيد  الكربون للبرميل الواحد، وفي محطات أخرى قد يزيد عن 200 كيلوغرام للبرميل الواحد".

وعلى صعيد آخر، لا تساهم جميع محطة التكرير في العالم في إنتاج جميع المنتجات النفطية، فالمحطات التي تعالج مواد أولية معينة تساهم في إنتاج سلع هيدروكربونية مختلفة، كما قد يتم الاستفادة من بعض هذه المنتجات الثانوية كمصدر للطاقة.

وقال الدكتور ستيف: "تحظى محطات تكرير النفط بشكل عام بقدرة كبيرة على إنتاج أكبر كمية ممكنة من الطاقة التي تحتاجها للقيام بعملياتها والتي تتمثل بالغاز المعالج. فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة استهلاك الطاقة في صناعة تكرير النفط في هولندا 61% ويتم توفيرها من قبل وقود الغاز المكرر".

يتطلب الحد من آثار الكربون الناجم عن عمليات تكرير النفط تدخلات تكنولوجية وسياسية

 يعتبر الحد من الآثار  البيئية للكربون الناجم عن عمليات تكرير النفط تحديًا كبيرًا نظرًا للعمر الزمني الطويل لمحطات التكرير وقلة الحوافز التي تساهم في التوسع بالتكنولوجيات الحديثة نتيجة ارتفاع تكلفة تطبيقها.

وفي هذا الصدد، قام الفريق البحثي بتنظيم منهجيات محورية وتقسيمها في ست فئات وهي، كفاءة الطاقة المحسنة واستعادة الحرارة الناتجة عن العمليات الصناعية وأداء التصميم المحسن والاستخدام المتزايد لمصادر الطاقة المتجددة واعتماد تقنية التقاط الكربون واستخدام تكنولوجيات الحفظ واعتماد الهيدروجين منخفض الكربون، حيث تساهم هذه المنهجيات في تحديد آلية تنظيم محطات التكرير مستقبلًا بهدف تلبية قائمة المنتجات المتغيرة للوقود منخفض الكربون والمواد الأولية الكيميائية.

وأضاف الدكتور ستيف: "يؤثر عمر محطات التكرير على الإجراءات المجدية في مجال الحد من انبعاثات غاز الكربون، إضافة لعوامل أخرى تؤثر في إمكانية إزالة الكربون كالطبيعة الجغرافية ودرجة النفط الخام ونوع عملية التكرير ".

وتُصنف محطات تكرير النفط التي تنتج كميات كبيرة من الكربون على أنها متوسطة العمر، أي ما بين 40 إلى 64 عامًا.

يذكر أن التحديات التي تحول دون إزالة الكربون تتطلب إجراءات سياسية تنظيمية ومالية وضريبية، حيث حدد الفريق البحثي العديد من الآليات السياسية التي يمكن تطبيقها لإزالة الكربون الناتج عن تكرير النفط وتشمل اعتماد آليات تسعير الكربون وتبني أهداف كثافة الانبعاثات والحوافز المالية التي تدعم البحث والتطوير  في التكنولوجيات الحديثة المتخصصة بإزالة الكربون.