بعد دراسة أنواع البكتيريا النافعة المرتبطة بإنتاج الأحماض الدهنية في الأمعاء
باحثون في دولة الإمارات يكشفون عن العلاقة التي تربط بين الميكروبات المعوية وشدة الإصابة بفيروس كوفيد-19

تحتوي أمعاء الإنسان على عالم معقد من الميكروبات، وهي كائنات حية دقيقة تتعايش في جسم الإنسان بشكل ديناميكي وتختلف من شخص لآخر وتؤثر في توازن جسم الإنسان بشكل كلي. وتشير الدراسات إلى أن الميكروبات تساهم في تنظيم الاستجابة المناعية في جسم الإنسان، فلو أن شخصًا يعاني من مشاكل تنفسية تقوم الميكروبات في الأمعاء بالتأثير على جهاز المناعة للحد من التهاب الرئتين، الأمر الذي قد يؤدي إلى وجود علاقة  بين الإصابة بكوفيد-19 والميكروبات في الأمعاء. وفي هذا الإطار، قام فريق بحثي بدراسة دور تنوع الميكروبات في الأمعاء وقدرتها في التعرف إلى نتائج الإصابة بكوفيد-19.

وتعاون الفريق البحثي الذي يضم الدكتور محمد البطاينة، الأستاذ المساعد في الأحياء الجزيئية وعلم الوراثة والدكتورة حبيبة الصفار، الأستاذة المشاركة في الأحياء الجزيئية وعلم الوراثة ومديرة مركز التكنولوجيا الحيوية في جامعة خليفة، إضافة لستة باحثين آخرين من جامعة خليفة، مع باحثين من فريق من الباحثين المتخصص بمكافحة كوفيد-19 في دولة الإمارات بهدف دراسة الميكروبات لدى المرضى المصابين بكوفيد-19. ونُشرت نتائج دراستهم البحثية في المجلة الدولية المرموقة "فرونتيرز إن مايكروبيولوجي".

تتعايش الميكروبات في الأمعاء الدقيقة مع مضيفها بعلاقة تشاركية، حيث تساهم في تسهيل عمليات الهضم وتوفير العناصر الغذائية الأساسية للخلايا المكونة للجهاز الهضمي، كما تساهم في مكافحة الميكروبات المسببة للأمراض وتلعب دورًا بارزًا في المحافظة على توازن الأمعاء من خلال تشكيل استجابة مناعية منتظمة، إضافة لدورها في الحفاظ على جهاز المناعة بحالة تأهب واستقرار  مدى الحياة.

ويتشافى مريض كوفيد-19 خلال أسابيع منذ الإصابة، بينما قد تستمر الأعراض لدى بعض المرضى لفترة طويلة. وتشير الدراسات إلى أن 75% من المرضى الذين تمت معالجتهم في المستشفيات تلازمهم واحدة من أعراض الإصابة بالفيروس كحد أدنى لمدة 6 أشهر بعد خروجهم من المستشفى، وتشمل تلك الأعراض مشاكل تنفسية وهضمية والضعف العام ومشاكل متعلقة بالذاكرة. ولم يتم حتى الآن تحديد أسباب ذلك، لكن تشير بعض الدلائل إلى وجود علاقة بين الأمعاء الدقيقة وشدة الإصابة بالفيروس.

بدوره، قال الدكتور محمد: "تم الربط ما بين الأعراض المتعلقة بالجهاز الهضمي والميكروبات المعوية التي تقوم بتنظيم استجابة الجهاز المناعي عندما تهاجمه الفيروسات، لكن قد تعطل بعض الإصابات الفيروسية آلية عمل الميكروبات ما يساهم في تشكيل بيئة ميكروبية تعزز انتشار الفيروسات. وكذلك الحال بالنسبة لفيروس كوفيد-19 الذي يغير في الآلية الوظيفية المنتظمة للأحياء الدقيقة في القناة الهضمية والحصول على مستويات متدنية من الميكروبات النافعة عند المصابين".

وقالت الدكتورة حبيبة: "تعتبر التغييرات في وظائف الميكروبات المعوية أمرًا شائعًا لدى الأشخاص المصابين بالأمراض الفيروسية وتحديدًا فيروس كوفيد-19، حيث أظهر عدد من المرضى أعراض تتعلق بالجهاز الهضمي من خلال وجود الحمض النووي الريبوزي الفيروسي (آر إن إيه) في عينات البراز ، وهو ما يؤكد على وجود فيروس كوفيد-19 في الأمعاء الدقيقة".

ويدخل سارس كوف-2، الفيروس المسبب للإصابة بكوفيد-19، إلى جسم الإنسان من خلال ارتباطه ببروتين يُسمى (إيه سي إي-2) الموجود عند جميع الأفراد بكميات متفاوتة وبأنسجة وخلايا مختلفة من الجسم تشمل الرئتين والأمعاء الدقيقة وتجويف الأنف.

وأضافت الدكتورة حبيبة: "يكمن الرابط الأهم بين الميكروبات المعوية وكوفيد-19 في مشاركة مستقبلات (إيه سي إي-2)، حيث يدخل فيروس سارس كوف-2 إلى المستقبلات التي تنظم الميكروبات المعوية وعند انتشاره في الجسم يتسبب بحدوث خلل في جهاز الأمعاء".

بناءً على ما تقدم، كلما ارتفعت كميات البروتين (إيه سي إي-2) في جسم الإنسان تزداد احتمالية الإصابة بكوفيد-19. وفي الأمعاء الصحية، يوجد نوع من البكتيريا يُعرف بـ  "باكترويدز"، وهي بكتيريا نافعة تساهم في التقليل من نشاط المستقبل (إيه سي إي-2)  وتلعب دورًا فعالًا في الحد من كمياته، وبالتالي الحد من احتمالية الإصابة بكوفيد-19.

ويحظى مرضى كوفيد-19 بمستويات منخفضة من البكتيريا النافعة ومستويات أعلى من العوامل المسببة للأمراض، وينتج عن عدم التوازن هذا أعراض في الجهاز الهضمي تظهر لدى مرضى كوفيد-19 وتستمر هذه الاضطرابات إلى ما بعد التعافي.

وتشير البيانات إلى وجود علاقة مباشرة ما بين الميكروبات المعوية وشدة الإصابة بكوفيد-19، أي أنه يمكن للمنظومة الميكروبية التنبؤ بشدة الإصابة بالفيروس وتحفيز الاستجابة المناعية بشكل سريع  قبيل الإصابة وخلالها.

قالت الدكتورة حبيبة: "ذلك أشبه ما يكون بالسؤال عن أيهما أتى أولًا، البيضة أم الدجاجة؟"

نعلم جيدًا بأنه تحدث تغييرات غذائية عند المرض، حيث تتحول أنظمتهم الغذائية إلى الأطعمة المليئة بالطاقة للتصدي لأعراض المرض، وتؤثر تلك التغييرات على المكونات الأساسية  للميكروبات، الأمر الذي يؤدي إلى تغير في الأمعاء بشكل عام.

وتوصل الفريق البحثي من خلال دراسته إلى أن الاختلافات المتنوعة للميكروبات قد تفسر إمكانية الإصابة بفيروس كوفيد-19 وشدتها، وتم التوصل أيضًا إلى أن نوع الجنس يؤثر في تنوع الميكروبات بشكل ملحوظ، وهو ما يوضح أسباب الإصابة بالفيروس لدى الرجال أكثر منها لدى النساء، كما يلعب العمر دورًا كبيرًا في تأثير الميكروبات المعوية، حيث يعاني كبار السن من مستوى متدن من البكتيريا النافعة التي تتوفر بكميات كبيرة لدى الفئات العمرية الشابة وتحميهم من الإصابة.

وأوضحت الدكتورة حبيبة: "تقوم الأحماض الدهنية بوظائف خلوية هامة ومتنوعة في العديد من مراحل التكاثر الفيروسي وترتبط بشكل مباشر مع انتشار فيروس كورونا، ولقد لاحظنا وجود مستويات متدنية من البكتيريا النافعة التي تنتج هذه الأحماض لدى مرضى كوفيد-19".

يُذكر أن هناك المزيد من الدراسات المطولة  لفهم العلاقة بين الإصابة بكوفيد-19 والتغيرات في الميكروبات المعوية. وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، وأكدت نتائجها على التغييرات الواضحة في مكونات الميكروبات المعوية ووظائفها لدى المرضى المصابين بكوفيد-19 واقترحت بعض الإجراءات التي تركز على الأمعاء في تشخيص حالات الإصابة.