يُبين البحث الجديد أن سبب مشكلة النطق طويلة الأمد التي تعقب السكتة الدماغية يعود إلى حدوث تلف في المادة البيضاء وليس فقط منطقة بروكا
باحثون يفندون صحة الفرضية العلمية المتعلقة بالسكتة اللغوية

توجد في الدماغ العديد من المناطق التي تلعب دورًا هامًا في عمليات النطق، وتعتبر منطقة بروكا واحدة منها، حيث تقع في الجزء الأيسر من الدماغ وترتبط ارتباطًا وثيقًا بعمليات النطق وإنتاج الكلام.

تُنسب قدرة الإنسان على نطق الأفكار  وتوظيف الكلمات المحكية والمكتوبة بشكل دقيق إلى منطقة بروكا التي سميت بهذا الاسم وفقًا للطبيب الفرنسي بيير بول بروكا الذي اكتشفها في العام 1861، حيث أظهرت دراساته للجزء الأيسر الأمامي من الدماغ أن الأشخاص الذي يعانون من الـ "أفازيا"، وهي فقدان القدرة على الكلام والقراءة والكتابة الناجم عن تلف عصبي بسبب سكتة دماغية، لديهم خلل في جزء معين من قشرة الدماغ يُدعى منطقة بروكا، والذي اعتُبر  الدليل التشريحي الأول لتحديد وظائف الدماغ.

وبالنظر لأهمية منطقة بروكا في معالجة القدرات اللغوية، فإن حدوث أي ضرر في هذه المنطقة يعيق عملية إنتاج الكلام.

وفي هذا الإطار، قام فريق بحثي دولي ضم باحثين من كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة وجامعة ديل ديسارولو  في التشيلي والدكتور محمد صغيّر، الأستاذ في قسم الهندسة الطبية الحيوية في جامعة خليفة، بتفنيد الافتراض السائد لوقت طويل والذي ينص على أن التلف الحاصل في منطقة بروكا يساهم في حدوث مشاكل في النطق طويلة الأمد بعد الإصابة بالسكتة الدماغية.

واكتشف الباحثون من خلال دراساتهم أن أسباب عدم القدرة على الكلام طويل الأمد ليس الخلل في منطقة بروكا ولكن في المناطق المحيطة لها والتي تتصل بها بشكل وظيفي. وقاموا بنشر  دراستهم في المجلة العلمية المرموقة "برين".

من جانبه، قال الدكتور محمد: "تأثرت مشكلة فقد القدرة على الكلام وعلم الأعصاب السلوكي لما يزيد عن 150 سنة بالاستنتاج الذي توصل إليه بروكا والذي ينص على أن الناجين من السكتات الدماغية الذين لديهم صعوبات شديدة ودائمة في النطق يعانون من وجود تلف في منطقة بروكا".

وأضاف: "لم يكن بروكا قادرًا على تحديد مستوى الإصابات في مرضاه لأنه رفض تشريح العينات وفضل الاحتفاظ بها للبحث مستقبلًا. وركزت شروحات بروكا على التلف الذي بدا واضحًا له دون أي تقييم لدور الأضرار  في المناطق المجاورة".

وأكدت نتائج الفريق البحثي أن أسباب فقدان القدرة على الكلام لوقت طويل يعود إلى وجود تلف في أنسجة الدماغ المحيطة والمتمثلة بمناطق المادة البيضاء والرمادية وليس منطقة بروكا.

وتُعرف المادة البيضاء على أنها الأنسجة التي تنتقل عبرها الرسائل إلى مناطق مختلفة في الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك الدماغ، وتحتوي على معظم خلايا الدماغ العصبية وتتحكم بالعضلات وجهاز الإدراك الحسي كالرؤية والسمع والكلام واتخاذ القرارات.

وفي السياق، قام الفريق ببحث فرضيتهم من خلال اختبار  ما إذا كان فقدان المقدرة على الكلام أصعب عند الأشخاص الناجين من السكتات الدماغية والذين تركز الضرر لديهم في منطقة بروكا، أم الأشخاص المصابون في منطقة بروكا والمناطق المحاذية لها.

وركز الفريق بحثه على دراسة عدد كبير من الأشخاص الناجين من السكتات الدماغية الذين يعانون من تلف في الجزء الأيسر الأمامي من الدماغ ولكنهم مختلفون في مستويات الضرر ما بين منطقة بروكا والمناطق المحيطة. واعتمد اختيار الباحثين لمناطق الدماغ على الجمع ما بين الدليل التشريحي والوظيفي والمادة البيضاء التي تربط جميع المناطق المسؤولة عن الكلام في الدماغ.

وقال الدكتور محمد: "تهدف دراستنا، على عكس الدراسات السابقة، إلى تحليل أثر  التلف في منطقة بروكا على القدرات الكلامية بعد أشهر  من السكتة الدماغية، إضافة لدراسة أثر ذلك التلف على المناطق المجاورة لمنطقة بروكا".

يذكر أن الفريق البحثي تمكن من إثبات حقيقة أن الدليل المؤيد للتلف في منطقة بروكا لا يفسر  تباين القدرات في إنتاج الكلام، إضافة لغياب الأثر  طويل الأمد للتلف في منطقة بروكا والذي أبطل صحة الفرضية. وفي هذا الصدد، أكد الباحثون على الارتباط الوثيق بين التلف في منطقة بروكا وصعوبات الكلام طويلة الأمد وعزوا ذلك إلى حدوث تلف في المادة البيضاء.