يساهم فهم العلاقات المتبادلة بين العوامل في تحديد مواطن التحسين الهامة في مجال الاستعداد للأوبئة 
الكشف عن العوامل المؤثرة في الأمن الصحي العالمي باستخدام معلوماتٍ قائمة على تحليل البيانات 

ترتفع نسب المخاطر الصحية العالمية بشكل أكبر في عالم يشهد تزايدًا في الترابط والتواصل بين الدول، الأمر الذي يستدعي ضرورة تعزيز الأمن الصحي لضمان حماية السكان من هذه المخاطر في جميع أنحاء العالم. وفي هذا الإطار، قام فريق بحثي دولي ضم عضو الهيئة الأكاديمية في جامعة خليفة الدكتور مجيد جان إيمر شمشكلير، بدراسة تقوم على الشبكات البايزية لتحديد أهم العوامل التي تؤثر على نتائج الأمن الصحي العالمي وتحليلها، وهو ما يقدّم معلوماتٍ قيّمة لصنّاع القرار والباحثين. 

 

قام الباحثون وهم، م. ك. س المهداوي من جامعة تيسايد وأبرون كازي من الجامعة الأمريكية في الشارقة، بدراسة مؤشر الأمن الصحي العالمي، وهو أداة شاملة لتقييم مدى جاهزية 195 دولة للاستجابة للأزمات الصحية، حيث تجاوزت منهجيتهم الأساليب التقليدية التي غالبًا ما تحلل المؤشرات بمعزل عن غيرها من خلال نمذجة الروابط التي تجمع ستة عناصر هامة للأمن الصحي، وهي الوقاية والكشف المبكر والقدرة على الاستجابة وقوة النظام الصحي والقدرات الوطنية والتمويل الوطني والبيئة الشاملة للمخاطر، وقد نُشرت الدراسة في المجلة العلمية المعنيّة بعلوم الكوارث، "بروغرِس إن دِزاستر ساينس". 

 

يُعتبر الكشف المبكر والإبلاغ المبكر عن المرض في مجال الأمن الصحي من أهم نتائج الدراسة، حيث برز الكشف المبكر كأهم عنصرٍ يسهم في تعزيز قدرة العالم على مواجهة الأزمات، بالتزامن مع تحسّنٍ في احتمال الأداء المرتبط بهذا العامل بلغت نسبته 87%. وبرزت ضمن هذه الفئة قوةُ سلاسل إمداد المختبرات وموثوقيتها، الأمر الذي يدل على احتمال تحسّن النتائج الإجمالية بنسبة 84%. ومن ناحية أخرى، أظهرت عوامل مثل القوى العاملة في علم الأوبئة تأثيرًا أقل نسبيًا، رغم أهميتها. 

 

من جهته قال الدكتور مجيد: "يعد الكشف المبكّر عنصرًا رئيسًا في الأمن الصحي الفعال، وتؤكّد النتائج التي توصّلنا إليها أن الاستثمارات في أنظمة المراقبة التي تتّسم بالوضوح والبنية التحتية الموثوقة للمختبرات، قادرة على الحد من مخاطر حالات الطوارئ الصحية بصورةٍ كبيرة". 

 

وقد احتلت استراتيجيات الوقاية المرتبة الثانية من حيث الأهمية، حيث تقوم التدابير التي تشمل بروتوكولات الأمن الحيوي وبرامج التطعيم، بدورٍ أساسي في الحد من انتشار الأمراض قبل أن تصبح وباءً. ومع ذلك، أكّدت الدراسة أيضًا على ضرورة أن تدعم هذه الجهودَ أنظمةٌ صحية مرنة قادرة على مواجهة الصدمات والاستجابة لها.  

 

وأظهرت الدول، التي أبدت أداءًا فعالًا في مؤشر الأمن الصحي العالمي، آليات استجابة قوية وبنية تحتية قوية للرعاية الصحية في الغالب، وشملت مؤشّرات هذا الأداء إتاحة الإمدادات الطبية والأفراد المدرّبين لجميع فئات المجتمع. في المقابل، تعاني الدول ذات الأداء الضعيف غالبًا من التعامل مع استراتيجيات الوقاية المتخلّفة والأنظمة الصحية المجزّأة. ووجد الباحثون أن القدرة المالية لا تؤدّي دائمًا ومباشرةً إلى أمن صحي أقوى على الرغم من أنها ضرورية، فغالبًا ما تتدخّل عوامل مثل الحوكمة والبنية التحتية والتفاوت بين المناطق في فعالية الاستثمارات، وهو ما يستدعي تدخّلات محدّدة ومصمّمة خصيصًا للتحديات التي تميّز كل دولة. 

 

يُعد المنظور الشمولي للطبيعة المترابطة للعوامل المؤثّرة على الأمن الصحي، أحد أبرز ابتكارات هذه الدراسة، فقد استخدم الباحثون القيمة المتبادلة لتحليل المعلومات للكشف عن الدور الذي قد يؤدّيه تحسينُ عامل واحد كالوقاية، في الحصول على نتائج أفضل عبر المجالات المتعلقة به كالكشف والاستجابة المبكّرين، حيث يتصدّى هذا النهج إلى النظرة التقليدية "المنعزلة" للمؤشرات الصحية ويؤكّد أهمية تكامل الاستراتيجيات.  

 

يمكن القول أن النتائج التي حصلنا عليها من خلال هذا البحث تتعدى حدود الإطار النظري لأنها تتضمن تأثيرات وتطبيقات حقيقية في العالم الواقعي، كما تساهم في تشجيع صنّاع القرار لمنح الأولوية لأنظمة الكشف المبكر وتعزيز شبكات المختبرات والاستثمار في التدابير الوقائية، كما دعى الدكتور مجيد إلى تعزيز الأنظمة الصحية لضمان قدرتها على الحفاظ على استمرارية العمليات أثناء الأزمات، فقال: "يتطلب الأمن الصحي استراتيجيات تفاعلية ومرنة، وهو ما يجعله هدفًا غير ثابت، ويمكننا الاقتراب من مستقبل تكون فيه الأنظمة الصحية العالمية مستعدة لما هو غير متوقع، من خلال التصدّي للتحدّي المتمثّل في التفاعل بين المؤشرات الرئيسة". 

 

ترجمة: مريم ماضي
أخصائية ترجمة وتعريب