تمكّن البحث من تحديد 965 موقع محتمل لرواسب الكلوريد على المريخ والكشف عن أدلة لوجود بيئات مائية قديمة
دراسة عميقة للماضي المائي للكوكب الأحمر

ابتكر مجموعة من الباحثون شملت الدكتور محمد رامي المعرّي من جامعة خليفة، أول خريطة شاملة لرواسب الكلوريد المحتملة على المريخ، ما يسهم في تقدّيم معلومات جديدة لمناخ الكوكب القديم وتاريخه الجيولوجي، حيث استخدم الباحثون تكنولوجيا التعلم الآلي لتحليل الصور عالية الدقة والصور الملونة التي التُقطت بالأشعة تحت الحمراء للمريخ، باستخدام نظام التصوير الملون والمجسّم للسطح على متن مسبار تتبع الغازات التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وحدّدوا 965 موقعًا محتملًا لرواسب الكلوريد، وهي فئة من المعادن تتشكل عندما يتبخر الماء تاركًا الأملاح الذائبة.   

تعاون الدكتور محمد، أستاذ مشارك في قسم علوم الأرض، مع باحثين من جامعة بيرن في سويسرا وجامعة ويسترن أونتاريو في كندا، ونُشرت نتائج بحثهم في المجلة العلمية "نيتشرز ساينتِفِك داتا". 

أوضح الدكتور محمد قائلًا: "يُعد وجود الكلوريد في المريخ موضوعًا مثيرًا للاهتمام، حيث تتشكل هذه الرواسب عادة في البيئات المائية مثل البحيرات أو البحار الضحلة التي يتبخّر فيها الماء تدريجيًا تاركًا الأملاح، وتشير هذه الرواسب الشائعة في الأحواض القاحلة للأرض، إلى أن المريخ تعرّض يومًا ما لمراحل طويلة من وجود الماء السائل على سطحه، حيث تدل التضاريس الحاملة للكلوريد في نظر علماء الكواكب، على الماضي السّحيق للمريخ، عندما كان المريخ على الأرجح أدفأ وأكثر رطوبة منذ حوالي 3 إلى 4 مليار سنة". 

طوّر الفريق البحثي مجموعة من البيانات العالمية تحتوي على رواسب كلوريد يتراوح قطرها من 300 متر إلى أكثر من 3 كيلومترات، حيث يسهم عملهم في تطوير البحوث السابقة المعنيّة بكلوريد المريخ والتي كانت مقيّدة إما بالدقة المكانية أو نطاق التصوير، كما استفاد نهج الفريق من البيانات عالية الدقة الخاصّة بنظام التصوير الملون والمجسّم للسطح، لتحديد مواقع الرواسب التي لم تُكتَشف من قبل وإضافة التفاصيل إلى المواقع المعروفة. 

يُعتبر تطبيق التعلم الآلي على جيولوجيا الكواكب، أحد الجوانب الأكثر ابتكارًا لهذا النهج، فقد استخدم الفريق بنية شبكة عصبية مدرّبة على التعرف على الخصائص الطيفية وقوام رواسب الكلوريد، حيث تظهر رواسب الكلوريد على المريخ عادة بلون فاتح وردي مميز يميل إلى البنفسجي في الصور الملونة التي تُلتَقَط بالأشعة تحت الحمراء، وقد تعرّفت الشبكة العصبية على المواقع المحتملة للكلوريد بدقة عالية بلغت نسبتها 94.5% تقريبًا مع احتمال شبه معدوم لإغفال موقع، من خلال معالجة ما يقرب من 39000 صورة التقطها نظام التصوير الملون والمجسّم للسطح، الأمر الذي يقلل من التحيّزات البشرية الشائعة في عمليات التصنيف اليدوي للصور. 

قال الدكتور محمد: "يروي توزيع الكلوريدات في مجموعة البيانات، قصة مثيرة للاهتمام حول ماضي المريخ، حيث توجد معظم المواقع المحتملة للكلوريد في المرتفعات الجنوبية مع وجود رواسب كبيرة غالبًا داخل المنخفضات القديمة، مثل الحفر والأحواض في المناطق ذات البياض الخفيف التي تشير إلى بيئة كانت رطبة سابقًا، ويتماشى هذا مع الدراسات السابقة التي أظهرت تركيزًا أعلى من الكلوريد في الجنوب، في حال كان مناخ الكوكب يدعم الأمطار والجريان السطحي منذ حوالي 3 مليارات سنة". 

حقق الفريق أيضًا اكتشافًا رائعًا ألا وهو تحديد التضاريس الحاملة للكلوريد في نصف الكرة الشمالي للمريخ، فعادة ما يكون الكلوريد الموجود في الشمال أصغر حجمًا وأكثر تدهورًا من الكلوريد الموجود في الجنوب، ما يشير إلى احتمال كونه تعرّضت لعمليات أكثر من التجوية والتعرية، سواءً بسبب العمليات الناتجة عن الرياح أو نتيجةً للتغيّرات في درجات الحرارة بمرور الوقت. 

يكمن الحل في نظر العلماء الذين يهدفون إلى إعادة بناء تاريخ مناخ المريخ، في الرواسب الحاملة للكلوريد، حيث يتميّز الكلوريد على عكس المعادن الأخرى، بكونه قابلًا للذوبان ولا عدم قدرته على البقاء حيًّا إلا في الأماكن التي تبخّر فيها الماء، ولكنه ظلّ معزولًا إلى حد كبير عن المياه التي تدفقت بعد تشكّل الرواسب الحاملة له، وتشير استمرارية وجود الكلوريد في قشرة المريخ إلى وجود مصادر مياه مستقرة في الماضي، كما يقدم وجوده أدلة على الأماكن التي لربما كانت مياهً جوفية أو مياهً سطحية نشطة سابقًا.  

تُعتبر الآثار المترتبة على علم الأحياء الفلكية كبيرة، حيثأظهرت الحياة الميكروبية في البيئات المالحة على الأرض، مرونة ملحوظة من خلال إيجادها طرقًا للبقاء على قيد الحياة والنمو في ظروف قاسية، حيث يشير اكتشاف تضاريس غنية بالكلوريد على سطح المريخ، خاصةً تلك المحميّة من التعرّض لمستويات عالية من الإشعاع، إلى احتمال وجود حياة ميكروبية قديمة في هذه المناطق.