يُتوقع أن يشهد مجال الاتصالات اللاسلكية تحولًا كبيرًا بسبب الحاجة إلى الأنظمة اللاسلكية المستقبلية في تلبية المتطلبات الصعبة والمعقدة للتطبيقات الناشئة، مثل "الميتافيرس" والتنقل ثلاثي الأبعاد "الهولوغرافي" والتوائم الرقمية والثورة الصناعية الخامسة، حيث بدأت النماذج التقليدية، التي تحتوي على كميات كبيرة من البيانات، بالتراجع لصالح الأنظمة الذكية القائمة على المعرفة، ويأتي في طليعة هذا التحول مفهوم، شبكات الاتصال المعرفي.
يُعتبر الاتصال المعرفي نظامًا يتحول فيه التركيز من مجرد عملية نقل للبيانات إلى عملية نقل للمعنى، حيث تتعامل أنظمة الاتصالات التقليدية مع جميع البيانات على حدٍ سواء وتنقلها كأجزاء منفصلة دون فهم محتواها. في حين يتكون الاتصال المعرفي من شبكات قادرة على فهم ومعالجة معنى البيانات التي تتعامل معها، ما يجعلها أكثر كفاءة وذكاءً إلى حد كبير.
طوّر الأستاذ الدكتور، مروان دبّاح من جامعة خليفة، نهجًا رائدًا لشبكات الاتصال المعرفي مع باحثين من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا وجامعة برينستون وجامعة كيونغ هي في كوريا الجنوبية، وقد نُشرت نتائج مشروعهم البحثي في مجلة "كوميونيكيشنز سرفايز آند توتوريالز" المعنيّة بمجال الاتصالات والتابعة لجمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات والمصنّفة في قائمة أفضل 1% من المجلات العلمية.
وقد اعتمدت الشبكات اللاسلكية على البيانات وعلى عناصر البيانات المنفصلة مثل بيانات الطيف وقيم جودة الخدمة لتحسين الأداء، حيث تجمع هذه الطريقة ما بين قدرات الشبكة وتوافر البيانات وجودتها. وعلى النقيض من ذلك، تستفيد الشبكات المقترَحة القائمة على المعرفة من التعلم الآلي لإنشاء نظام منطقي قادر على استخلاص استنتاجات منطقية بناء على المعارف المتراكمة، ويسمح هذا التحول للشبكات بتحقيق معدلات مرتفعة وزمن قصير للاستجابة وموثوقية عالية مع بيانات أقل، وهو ما يمثل إنجازًا مهمًا فيما يتعلق بتلبية المتطلبات المعقدة للتطبيقات المستقبلية مثل "الميتافيرس".
تتمثل أحد الجوانب الأساسية في هذا النهج في إنشاء تمثيلات معرفية، يُقصَد بها هياكل بيانات بسيطة ولكن فعّالة تعبّر عن جوهر المعلومات التي يتم توصيلها بشكل دقيق، وتشكّل هذه التمثيلات أساس "اللغة المعرفية" التي تختلف عن اللغة الطبيعية والمصمَّمَة لتكون قابلة للتعميم وفعالة في آنٍ واحد. وفي هذا النموذج، يتفاعل المرسلون (المشار إليهم بالمعلمين) والمستلمون (المشار إليهم بالمبتدئين) بذكاء أكبر، حيث يحدد المعلم المحتوى المعرفي وينقله، ويكون المبتدئ قادرًا على فهمه والتعامل معه بشكل منطقي يحاكي طريقة تعلم الإنسان وتفكيره.
يمكن للشبكات المعرفية، القادرة على التفكير المنطقي والاستنتاج، أن تفهم الروابط السببية داخل مسارات البيانات، ويسمح هذا للشبكة باتخاذ قرارات مدروسة أكثر وتعزيز قدرتها على التكيف مع المواقف الجديدة. إضافة لذلك، يمكن أن تسهم عملية دمج مبادئ الاتصال المعرفي في بيئات واسعة النطاق كشبكات الجيل السادس للهواتف المحمولة، في توسيع نطاقها لتصبح قادرة على تلبية الطلبات المتزايدة للتكنولوجيات الناشئة بشكل أكثر فعالية، ما يضمن الحصول على أداءٍ قوي وموثوق.
يرسي هذا البحث الأسس للجيل القادم من أنظمة الاتصالات اللاسلكية، حيث تبشّر شبكات الاتصال المعرفي بإحداث نقلة نوعية فيما يتعلّق بنظرتنا للاتصالات اللاسلكية وكيفية استخدامها، من خلال الانتقال من النماذج القائمة على البيانات إلى النماذج القائمة على المعارف ودمج تقنيات التعلم الآلي المتقدمة والتركيز على النقل الفعّال للمعلومات.
مريم ماضي
أخصائية ترجمة وتعريب