كشفت دراسة رائدة، في خطوة مثّلت نقلة نوعية في مجال الطب النانوي للسرطان، عن الطريقة التي تتفاعل فيها الجسيمات النانوية المعروفة باسم "مكسين" ثنائية الأبعاد مع الأورام والبيئات المحيطة بها للتأثير على نتائج علاج السرطان.
بحث الفريق في إمكانية استخدام مادة ثنائية الأبعاد وهي مادة مكسين النانوية والتي تتميز بصغر حجمها وخصائصها الفلورية لتصبح المادة الأمثل لتتبع ودراسة توزيعها مع الأورام. واستعان الباحثون بتقنية النسخ المكاني، وهي تقنية متقدمة تجمع بين علم الأنسجة والتسلسل الجيني بهدف رسم خريطة لنشاط الجينات والتفاعلات الخلوية داخل البيئة الدقيقة للورم. وتمكّنوا،عن طريق حقن مادة نقاط الكم للمكسينات في أورام سرطان الثدي في الفئران، من تتبع آلية توزيع هذه الجسيمات النانوية داخل الورم والتأثير أيضًا على تفاعلات مجموعات مختلفة من الخلايا.
قادت الدكتورة لوسيا جيما ديلوجو من جامعة خليفة فريق من الباحثين في العلوم من جميع أنحاء العالم، ضم باحثين من جامعة أنقرة في تركيا وجامعة مانيتوبا في كندا وجامعة دريكسيل في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعة غازي في تركيا والوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، حيث نُشر بحثهم في المجلة العلمية "نانو توداي" المعنيّة بالمواد النانوية والمصنّفة في قائمة أفضل 1% من المجلات العلمية في العالم. وسلط البحث الضوء على مدى قدرة نقاط الكم للمكسينات في علاج السرطان من خلال تفاعلها مع الخلايا المناعية والبيئات الدقيقة للأورام.
أصبحت الجسيمات النانوية الركيزة الأساسية للعلاج الحديث لمرض السرطان، نظرًا لتغلبها على التحديات التي تفرضها العلاجات التقليدية على الرغم من الطبيعة المعقدة وغير المتجانسة للأورام والتي قد تضيف تحديات جديدة بشكل مستمر. وتعتبر البيئات الدقيقة للأورام منظومة ديناميكية، تتألف من خلايا سرطانية ومجموعة متنوعة من الخلايا المناعية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على فعالية العلاجات، كما يُعتبر فهم آلية تفاعل الجسيمات النانوية مع هذه الأنواع المختلفة من الخلايا أمرًا بالغ الأهمية لتطوير علاجات أكثر فعالية.
وقد رُصد في المناطق التي تراكمت بها نقاط كم المكسينات بنسب عالية، أثر ملحوظ لتثبيط الورم، حيث أظهرت هذه المناطق انخفاضًا في تكاثر خلايا الورم وزيادة في موت الخلايا التالفة وغير الضرورية بطريقة منظمة وسلسة دون التسبب بالتهاب وضرر بالأنسجة المحيطة، كما أشار تحليل نشاط الجينات إلى حدوث انخفاض كبير في نشاط المسارات التي تساهم في بقاء الخلايا، وهي عملية ترتبط بانتشار السرطان.
ومن جهة أخرى، لوحظ في المناطق ذات التراكم المنخفض للنقاط الكمية للمكسينات وجود سمات وراثية سرطانية، ما يعني أن البيئة الخلوية والجزيئية في هذه المناطق كانت ملائمة لنمو الورم وبقائه على قيد الحياة بدلًا من القضاء عليه، الأمر الذي يُبرز أهمية ضمان التوزيع المناسب للجسيمات النانوية داخل الورم لتحقيق التأثير العلاجي المطلوب لتثبيط نمو الورم.
وجد الباحثون أن خلايا "بي" وخلايا البلازما قامتا بأدوار رئيسة في المناطق التي ترتفع فيها نسبة النقاط الكمية للمكسينات، حيث تنشّطت هذه الخلايا المناعية استجابة لتراكم هذه المادة، ما يشير إلى إمكانية تعزيز الاستجابة المناعية الطبيعية للجسم ضد الخلايا السرطانية.
يذكر أن تقنية النسخ المكاني ساهمت في توفير معلومات مفصلة حول الديناميكيات الجزيئية والخلوية ومهّدت الطريق للحصول على استراتيجيات طبية نانوية محددة الأهداف وأكثر فعالية. وفي هذا الإطار، نسعى للقيام بالمزيد من البحوث للكشف عن أنواع مختلفة من المكسينات والسرطان لفهم التفاعلات المعقدة في البيئات الدقيقة للأورام.
مريم ماضي
أخصائية ترجمة وتعريب