بهدف تمكين صناع السياسات من التركيز على حلول متنوعة وفقًا لسياقات معينة عبر مناطق جغرافية وخلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة
بحث يدرس العلاقة بين الفقر في قطاعي الطاقة والنقل

توحي كلمة "الفقر" بالندرة - عادة الجوع أو التشرد - ولكن غالبًا ما يتم التغاضي عن بعدين مهمين: ألا وهما الطاقة والنقل، فالبحث الجديد الذي أجراه الدكتور ستيف غريفيث، نائب الرئيس الأول للأبحاث والتطوير وأستاذ بالممارسة بجامعة خليفة، يتعمق في هذه المجالات ليكشف ليس فقط عن مدى تأثيرها بل عن الطرق المعقدة التي تترابط فيها أيضًا.

 

تعاون الدكتور غريفيث مع جوناثان فورزيفر ديل ريو من جامعة ستانفورد وديلان فورزيفر ديل ريو وبنجامين سوفاكول، من كلية إدارة الأعمال بجامعة ساسكس، لدراسة الفقر في قطاعي النقل والطاقة في أربع دول، ووجدوا أن الفقر في قطاعي الطاقة والنقل يتطلب تدخلات سياسية مستهدفة ومصممة حسب السياق ومناسبة لكافة شرائح المجتمع. نُشرت النتائج التي توصلوا إليها في مجلة “التغير البيئي العالمي”، وهي واحدة من أفضل المجلات الأكاديمية في الجغرافيا والتخطيط والتنمية.

 

تشير الأبحاث إلى أن الفقر لا يحد من الموارد فحسب، بل يؤثر أيضًا على الصحة النفسية والروحية، ويؤدي هذا إلى انخفاض احتمالات تحمل الأفراد المخاطر التي يمكن أن توفر مستقبلًا أكثر إشراقًا، وهو ما يتجلى في انخفاض الرغبة في اعتماد تكنولوجيات أكثر كفاءة أو التردد قبل القيام باستثمارات طويلة الأجل في قطاعي الصحة والتعليم.

 

شكل استكشاف الفقر في قطاعي الطاقة والنقل نقطة محوريةً في بحث الفريق، فقد تجد الأسر التي تعاني من فقر الطاقة أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل، تلبية احتياجاتها الأساسية من الطاقة. يعني هذا بالنسبة للبعض العيش في الظلام أو الطهي على نار مكشوفة، بينما يعني بالنسبة للآخرين دفع جزء باهظ من دخلهم على فواتير الطاقة. لا تقتصر مشكلة فقر الطاقة مشكلة على المناطق النائية في الدول النامية وحتى في دول العالم الأول، حيث يمكن أن يتجلى انعدام أمن الطاقة بطرق كثيرة ومتعددة، بدءًا من أساليب التدفئة المحفوفة بالمخاطر وصولًا إلى عدم القدرة على اعتماد تكنولوجيات الطاقة الخضراء.

 

بالإضافة إلى مشاكل الطاقة توجد قضية الفقر في قطاع النقل، فبالنسبة للأفراد غير القادرين على تحمل تكاليف وسائل النقل الأساسية، أو الذين يعيشون في مناطق لا تتوفر فيها وسائل النقل العام، فإن هذا النوع من الفقر يؤدي إلى تفاقم مشكلة الإقصاء الاجتماعي، مما يعيق المشاركة المجتمعية الكاملة للفرد. وهذا يؤثر على مستوى سعادتهم ورضاهم العام عن حياتهم وعلى فرص النمو الاقتصادي.

وسلط الباحثون الضوء على ما يسمونه "الضعف المزدوج للطاقة"، وهم الأفراد المحاصرون في دوامة فقر الطاقة والنقل. ويشيرون إلى أن هذا التقارب لا يزيد التحديات فحسب، بل يضاعفها عدة مرات، مما يؤدي إلى تعقيد المشكلة أكثر.

 

وللتحقق من هذه التداخلات، قام فريق البحث باستطلاع آراء الأشخاص الذين يعيشون في المكسيك والإمارات وأيرلندا الشمالية. وكانوا مهتمين بشكل خاص باستكشاف كيفية تأثير جائحة كوفيد-19 على سلوكيات استخدام الطاقة والنقل في البلدان التي لا تُدرس في العادة عندما يتعلق الأمر بدراسات الطاقة والمناخ.

 

وقال الدكتور غريفيث: "تُعتبر هذه هي الدراسة الأولى من نوعها لاستكشاف الفقر في قطاعي الطاقة والنقل في آن واحد عبر أربع دول في ثلاث قارات، ولا تتميز هذه الدول من الناحية الجغرافية فحسب، بل تملك أيضًا سياقات اجتماعية وسياسية واقتصادية وتركيبة سكانية شديدة التنوع، وفي حالة دولة الإمارات، يظهر الفقر في قطاعي الطاقة والنقل في مناطق صغيرة، مما يتناقض مع المستويات العالية للثروة الفردية المرتبطة في كثير من الأحيان مع دولة الإمارات ككل. 

 

علاوة على ذلك، تتمتع البلدان التي شملتها الدراسة بمناخات تستدعي أخذ كل من التدفئة والتبريد بعين الاعتبار فيما يتعلق بالقدرة على تحمل تكاليف الطاقة، اعتمادًا على السياق. وكان الهدف اكتشاف عدم اقتصار الأمر على تجربة فقر النقل والطاقة بسبب المشكلات المتعلقة بالقدرة على تحمل التكاليف، ولكن أيضًا كيف يمكن أن يؤثر السياق على قدرات الأفراد على استخدام هذه الخدمات بشكل مثمر.

 

ووجد الفريق أن فقر الطاقة ينجم في الغالب عن ارتفاع فواتير الطاقة وعدم كفاية البنية التحتية المنزلية وعدم كفاءة الأجهزة، في حين أن التنقلات الطويلة ووسائل النقل العام التي يتعذر الوصول إليها تُعتبر من أبرز العوامل المؤثرة في فقر النقل. وأدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم الضعف المزدوج في مجال الطاقة وكانت تأثيراتها أكثر وضوحًا في المواقع الأقل ثراء. ويشير الباحثون إلى أنّه يجب على صناع السياسات أن يعملوا على تطوير حلول للتحديات التي تواجه قطاعي الطاقة والنقل في وقت واحد بدلًا من التعامل مع كل واحد منها على حدا. ففي البلدان التي شملتها الدراسة، لم يكن لتدخلات السياسات الحالية، مثل دعم الطاقة في المكسيك، الأثر الإيجابي على الفقر الذي كان المسؤولون الحكوميون ينتظرونه.

 

وقال الدكتور غريفيث: "أظهرت نتائجنا أنه حتى في مثل هذه المواقع المتنوعة، يتداخل فقر قطاعي النقل والطاقة، فلا ينبغي بعد الآن التعامل مع أبعاد الفقر هذه باعتبارها قضايا منفصلة، وكما يظهر بحثنا، فإنّه غالبًا ما تأتي نفقات الطاقة والنقل مصحوبة بتضحيات اقتصادية، حيث يجب على المستهلكين الاقتصاد في استخدام خدمات الطاقة الخاصة بهم لتوفير الطعام أو وسائل الترفيه أو الملابس أو حتى الرحلات التي يعتبرها الكثيرون من المسلمات، ويتعيّن على صناع السياسات أن يفهموا ذلك وأن يخططوا وفقًا له مسخرين جهودهم للحد من فقر الطاقة والنقل.

 

ومثلما يؤكد هذا البحث، فإن مكافحة الفقر تتطلب نظرة أشمل: نظرة تعترف بالتحديات المتداخلة للطاقة والنقل وتعالجها وتأخذ في الاعتبار الفروق الدقيقة في وضع سياسات فعّالة لمواجهة هذه التحديات.