لتحقيق الاستفادة من مستشعرات الرؤية وخوارزميات التحكم الذكية في تطوير أنظمة جديدة قادرة على رؤية البيئة المحيطة بشكل دقيق وفعال
تقنية الرؤية العصبية المستخدمة في أنظمة الحفر الروبوتية تُظهر نتائج واعدة تضمن دقة عمليات الحفر الروبوتية

 

تلعب أنظمة الحفر الروبوتية دورًا هامًا في مختلف القطاعات الصناعية التي تشمل التصنيع والإنشاء واستخراج الموارد، ويعتبر تحديد المكان الدقيق لهذه الأنظمة من الأمور الأساسية لضمان الدقة والفعالية والسلامة في عمليات الحفر. ولمواجهة هذا التحدي، قام الباحثون بدراسة تقنيات التحكم المتقدمة التي تساهم في تحسين عملية تحديد الموضع الدقيق لأنظمة الحفر الروبوتية.  

تعتبر تقنية التحكم العصبي البصري واحدة من تلك التقنيات التي أظهرت نتائج واعدة، حيث توفر هذه المنهجية حلًا جديدًا يمكنه تعزيز الدقة في الحفر الروبوتي من خلال الاستفادة من مفاهيم الهندسة العصبية ودمج قدرات الاستشعار البصري.

وفي هذا الإطار، سلط فريق بحثي من جامعة خليفة الضوء على إمكانات تقنية التحكم العصبي البصري في أنظمة الحفر الروبوتية، وضم الفريق كلًا من عبدالله عياد، باحث مشارك، والطالب محمد حلواني من برنامج الدكتوراه والدكتور راجكومار موذوسامي، زميل دكتوراه والدكتور فهد المسكري، الأستاذ المساعد في هندسة الطيران والدكتور يحيى زويري، أستاذ مشارك ومدير مركز البحوث المتقدمة والابتكار في جامعة خليفة، الذين تعاونوا مع ديوالد سوارت من شركة ستراتا للتصنيع لتطوير منهجية تحكم عصبي بصري تهدف إلى تعزيز الدقة في أنظمة الحفر الروبوتي. ونشر الباحثون نتائج الدراسة في  المجلة العلمية "روبوتكس آند كمبيوتر إنتغريتد مانيفاكتشرنغ" التي تعد واحدة من أفضل المجلات الدولية في مجالات الرياضيات والهندسة وعلوم الكمبيوتر.

وبدوره، قال عبد الله: "تمثل عمليات الأتمتة في التصنيع الفيزيائي الإلكتروني جانبًا مهمًا من الثورة الصناعية الرابعة، حيث بلغ عدد الروبوتات الصناعية التي تم شحنها في الأعوام ما بين 2008 و2018 أكثر من ثلاثة أضعاف سنويًا، ويتوقع بحلول العام 2024 أن يتم شحن أكثر من 500,000 روبوت صناعي في كل عام، حيث تهدف دولة الإمارات إلى أن تصبح مركزًا عالميًا في تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، ويتماشى مشروعنا البحثي بشكل مباشر مع هذه الرؤية في مجال دعم الحلول الرامية إلى تحقيق الفعالية والإنتاجية والسلامة".

وقال الدكتور يحيى: "يشهد قطاع التصنيع في الوقت الراهن نقلة نوعية نتيجة تحوله إلى الروبوتات الصناعية، حيث أصبحت رؤية الآلة تكنولوجيا هامة تمكن الروبوتات من أداء عمليات دقيقة في الظروف غير المنظمة والرؤية العصبية هي تكنولوجيا حديثة ذات قدرة على مواجهة جميع التحديات التي تقف عائقًا أمام الرؤية التقليدية بدقة زمنية عالية ووقت استجابة منخفض وبنطاق ديناميكي واسع. ونقترح في هذه الورقة البحثية للمرة الأولى متحكم عصبي بصري للاستفادة منه التطبيقات الروبوتية في مجال تسهيل العمليات بشكل أسرع وأكثر فعالية، كما نستعرض نظامًا روبوتيًا متكاملًا لأداء مهام الحفر بدقة تقل عن درجة المليمتر".

يمكن القول بأن أتمتة بعض عمليات التصنيع يعني تحقيق أداء أفضل وإنتاجية عالية وفعالية ومعايير السلامة، وتعتبر عمليات الحفر واحدة من أهم العمليات التي تستدعي الأتمتة لأنها عملية واسعة الانتشار، لا سيما في صناعتي السيارات والفضاء اللتين تعتمدان على عمليات الحفر والثقب عالي الدقة بشكل كبير نظرًا لارتباط هذه العملية بجودة أداء المنتج وانتهاء صلاحيته الزمنية.

تعتمد تقنيات الأتمتة التقليدية المستخدمة في الحفر، وغيرها من الأنظمة المشابهة، على معدات التحكم الرقمي الحاسوبي نظرًا لدقتها العالية وقابليتها للتكرار، إلا أن هذه المعدات تعاني من محدودية إمكانياتها التشغيلية ومساحة العمل وتتطلب  استثمارات ضخمة. ووفقًا للدكتور يحيى، بدأت الروبوتات الصناعية بالبروز كبديل واعد لمعدات التحكم الرقمي الحاسوبي في السنوات الأخيرة بسبب كفاءة تكلفتها وإمكانياتها التشغيلية واسعة النطاق وقدرتها على التكيف مع مختلف المتغيرات في البيئة.

وأضاف الدكتور يحيى: "على الرغم من وجود بعض الأمثلة الناجحة لاستخدام الروبوتات في تطبيقات التشغيل الآلي الصناعي، لا تزال مشكلة القابلية للتكرار تمثل تحديًا رئيسًا في التشغيل الآلي الروبوتي، حيث تكمن الأخطاء في انخفاض صلابة مفاصل الروبوت نسبيًا والتحديد غير الصحيح لموضع القطع المتعلقة بالروبوت. ويمكن معالجة هذه الأخطاء من خلال التوجيه في الوقت الفعلي وآلية التحكم من خلال ردود الفعل الحسية وأنظمة القياس".

ركز الفريق البحثي في الدراسة على تطوير إطار عمل شامل يجمع ما بين مستشعرات الرؤية المتقدمة وخوارزميات معقدة وآليات تحكم فعالة، وقد ساهم دمج مستشعرات الرؤية العصبية في تمكين أنظمة الحفر الروبوتية من جمع بيانات بصرية لظروف الحفر في الوقت الفعلي، وتشمل البيانات تحديد مواقع أهداف الحفر والاختلالات السطحية والعقبات المحتملة، كما ساهمت الاستفادة من الإشارات البصرية في تمكين خوارزميات التحكم من إجراء التعديلات الدقيقة على موضع نظام الحفر بشكل يضمن التحديد الدقيق للهدف وفعالية الأداء خلال الحفر.

وتمحورت الدراسات البحثية السابقة، في مجال تحسين تصنيع الروبوتات، على الرصد بخاصية الرؤية التي تقوم على دمج الكاميرات مع مستشعرات المسافات بالليزر وغيرها من التقنيات، لكن اعتمدت جميع تلك الدراسات والبحوث على الكاميرات التقليدية التي تعاني من  مشكلات في الاستجابة وضبابية صور الأجسام المتحركة ومحدودية النطاق الديناميكي وضعف الإدراك في حالات الأضواء الخافتة.

وقال الدكتور يحيى: "يصل معدل تتالي الصور في الكاميرات التقليدية إلى أقل من 200 صورة متتالية في الثانية، الأمر الذي يؤثر على الحوسبة في الخوارزميات المعقدة خلال القيام بعمليات معالجة الرؤية لأن هذه الكاميرات تستغرق وقتًا كبيرًا. لذلك، يمكن من خلال تسريع عمليات معالجة الرؤية تحسين فعالية مستوى الإدراك".

أما بالنسبة لكاميرات الأحداث، وتعرف أيضًا بمستشعرات الرؤية الديناميكية، فهي نوع متقدم من مستشعرات الصور التي تقوم في عملها على الرؤية المرتبطة بالأحداث.

الجدير بالذكر أن كاميرات الأحداث لا تقوم بالتقاط الصور بنفس الطريقة المحدودة التي تقوم بها الكاميرات التقليدية، لأنها تعتبر أداة استشعار بصري تستجيب للتغيرات المحيطة من خلال الإضاءة ويعمل كل بيكسل فيها بشكل مستقل وغير متزامن ويقوم بالإبلاغ عن أي متغيرات في مستويات الإضاءة حال حدوثها. وتدعى كاميرات الأحداث كذلك بمستشعرات الرؤية العصبية، لاستيحاء فكرتها من الأنظمة البيولوجية كعيون الذباب، القادرة على استشعار البيانات بشكل مباشر وغير متزامن في الوقت الفعلي.

ويتم الإبلاغ عن "الحدث" عند رصد أي تغيير في مستوى الإضاءة إشارة إلى حدوث تغير في المشهد، حيث يرتبط كل حدث بالوقت الزمني بشكل عالي الدقة وهو ما يتيح توفير معلومات دقيقة حول حدوث المتغيرات. وتتسم هذه الدقة الزمنية بأنها عالية جدًا في نطاق الميكروثانية، الأمر الذي يتيح للكاميرا التقاط المشاهد السريعة والديناميكية بشكل دقيق، بما في ذلك الأحداث التي تتضمن حركات سريعة وترددات عالية.

قال الدكتور يحيى: "تتميز المستشعرات البصرية القائمة على الأحداث بسرعة الاستجابة ونطاق ديناميكي واسع ودقة زمنية عالية بشكل أفضل من المستشعرات البصرية التقليدية. لذلك، ينتج عن استخدام هذا النوع من المستشعرات القائمة على الأحداث الحصول على سلسلة من الأحداث على مستوى الميكروثانية من الوقت بشكل واضح خال من الضبابية الناتجة عن حركة الأجسام والإضاءة الخافتة، إضافة لسرعة استجابتها".

ويرى الفريق البحثي أن المستشعرات العصبية التي تعتمد على الأحداث تحظى بقدرة على التصدي للتحديات التي عجزت عنها مستشعرات الرؤية التقليدية، إلا أنها تتضمن تحديات أخرى جديدة تتمثل بتطوير خوارزميات الإدراك والتحكم لتتلاءم مع مخرجاتها غير التقليدية وغير المتزامنة.

وأضاف الدكتور يحيى: "قمنا بتطوير وحدة تحكم ذات مرحلتين قائمة على الرؤية العصبية لتؤدي مهمة حفر روبوتية بمستوى دقة أقل من مليمتر، حيث يعتبر هذا النظام الأول من نوعه يستخدم تكنولوجيا الرؤية العصبية في تطبيقات الأنظمة الروبوتية. وتعتمد المرحلة من نظامنا على منهجية إعادة البناء ثلاثي الأبعاد متعددة الرؤية لتساعد الروبوت في تحديد موقعه والوقوف بشكل مستقيم، في حين تساهم المرحلة الثانية في تنظيم أي أخطاء متبقية بالاستعانة بخوارزمية جديدة قائمة على الأحداث لرصد ثقوب الحفر".

تقوم الكاميرا العصبية في نظام فريق مركز البحوث المتقدمة والابتكار بالتقاط المشاهد البصرية وإنشاء سلسلة متواصلة من الأحداث بشكل غير متزامن في وقت زمني عالي الدقة لجمع المعلومات الدقيقة من خلال استخدام خوارزميات الرؤية العصبية المستوحاة من نظام الرؤية عند الإنسان، حيث تقوم الخوارزميات باستخراج المزايا  والمعلومات ذات الصلة من سلسلة الأحداث والتي تشمل الحواف والزوايا والإشارات الحركية. وتتم الاستفادة من هذه المعلومات في تقدير موقع روبوت الحفر واتجاهه بشكل دقيق، كما يمكن أن يقوم النظام بتتبع حركة روبوت الحفر عبر تحليل بيانات الأحداث وحساب موقعه بالنسبة للهدف المراد أو النقطة المرجعية.

ويعمل نظام فريق مركز البحوث المتقدمة والابتكار بطريقة الحلقة المغلقة، حيث يحصل على المعلومات البصرية المعتمدة على الأحداث بشكل متتابع ليقوموا فيما بعد بتقدير الموقع وضبط أوامر التحكم وفقًا لذلك. ويساهم أسلوب الحلقة المغلقة في تمكين النظام من التكيف والمحافظة على أخذ الموقع الدقيق في البيئات الديناميكية المتغيرة.

وقال عبد الله: "ينطبق هذا النظام بشكل مباشر على قطاع صناعة الطيران المحلي من خلال التعاون مع ستراتا، كما أنه يشكل فائدة كبيرة للعديد من القطاعات الهامة في دولة الإمارات والتي تشمل صناعات البتروكيماويات والطاقة والزراعة والصناعات الطبية الحيوية. وعلى صعيد آخر، ستساهم مثل هذه التكنولوجيات في تعزيز سمعة الدولة في مجال التصنيع المتقدم كدولة مطوِّرة ومصدِّرة لحلول التصنيع الذكية".

وأشار عبدالله إلى أنه تم استخدام نتائج هذه الورقة البحثية في تطوير روبوت الحفر الآلي المستخدم في خط الإنتاج العمودي في ستراتا، حيث أصبح هذا الروبوت الأول من نوعه بتطوير من شركة بارزة مثل ستراتا".

كشفت نتائج البحث عن العديد من مزايا وحدة التحكم البصرية العصبية لأنظمة الحفر الروبوتية، حيث أتاحت مستشعرات الرؤية القائمة على مبدأ بيولوجي للروبوتات التقاط معلومات بصرية بدقة عالية فاقت أنظمة الرؤية التقليدية، الأمر الذي عزز مفهوم الإدراك وحسن مستوى التعرف إلى الأهداف وبالتالي الحصول على عمليات أكثر حفر أكثر دقة وأقل خطأً.

وأتاحت سرعة استجابة مستشعرات الرؤية العصبية في الوقت الفعلي لأنظمة الحفر الروبوتية سهولة التكيف مع المتغيرات في البيئة المحيطة، حيث يعتبر هذا التكيف الديناميكي في غاية الأهمية في بيئات الحفر التي تكون فيها الأهداف ساكنة أو عند ظهور عوائق غير متوقعة خلال عمليات الحفر. إضافة لذلك، يلعب تحليل البيانات البصرية بشكل متواصل وإجراء التعديلات السريعة دورًا أساسيًا في تمكين نظام الحفر الروبوتي من الحفاظ على دقته وضمان أفضل النتائج خلال عمليات الحفر.

من ناحية أخرى، يوفر تطبيق وحدة التحكم البصري العصبي في أنظمة الحفر الروبوتي إمكانات كبيرة لمختلف القطاعات الصناعية. ففي قطاع التصنيع، تساهم وحدة التحكم في تمكين نظام الحفر من تحديد موضع الثقب بشكل دقيق ومنتظم وتساهم في قطاع الإنشاء بتعزيز مستويات الدقة في الهياكل وتحسين سلامتها. أما في مجال الاستخراج من الموارد كالنفط والغاز، تساهم تقنية التحكم المتقدمة في تحسين فعالية تحديد موضع حفر البئر وبالتالي التقليل من التكلفة الاقتصادية والمخاطر البيئية.

يعد البحث والتطوير الذي قام به فريق مركز البحوث المتقدمة والابتكار خطوة هامة في مجال تطوير أدوات التحكم البصري العصبي وتطبيقه في أنظمة الحفر الروبوتية. وتتميز هذه التكنولوجيا، التي تواصل تطورها، بأنها واعدة وقادرة على إحداث ثورة في عمليات الحفر في العديد من الصناعات المختلفة مع حفاظها على مستويات متميزة من الدقة والفعالية.

وقال عبدالله: "نقوم في الوقت الحالي بتوسيع نطاق إمكانات وقدرات حلولنا الروبوتية لتقوم بمهام إضافية بسيطة في مجال التصنيع لكنها في غاية الأهمية مثل الفرز وإزالة الحواف والنتوءات، كما نتعاون في الوقت الحالي مع شركة سند لتكنولوجيا الطيران بهدف تطوير حلول روبوتية آلية للاستفادة منها في تطبيقات الطائرات من حيث صيانتها وإصلاحها وإجراء تعديلات شاملة عليها".

وألقى عبدالله الضوء على اتجاه آخر للبحث توصل إليه عبر مشروعه البحثي وهو تطوير أدوات استشعار بصرية جديدة قائمة على اللمس في الأنظمة الروبوتية.

وأضاف عبدالله: "يعتبر الاستشعار باللمس أمرًا هامًا لتحقيق الدقة وسرعة الاستجابة في العمليات الآلية بهدف ضمان تكرار العمليات دون الإضرار بالأجسام الدقيقة في بيئة العمل، لما يتمتع به من مزايا تتمثل بالدقة والتكلفة الاقتصادية المناسبة وفعالية في نطاق العرض الترددي مقارنةً بمنهجيات الاستشعار باللمس التقليدية. وفي هذا الصدد، يقوم باحثون من جامعة خليفة حاليًا بتطوير هذه المستشعرات ودمجها في مختلف خطوط الإنتاج في الدولة".