يوضح البحث آلية استخراج هيدرات الغاز في الرواسب الموجودة على بعد أكثر من 13,000 كيلومتر في خليج المكسيك وآلية الاستفادة من ذلك في استعادة الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط
بحث من جامعة خليفة يحدد خصائص هيدرات الغاز الموجودة في الرواسب بواسطة تقنيات تصوير متطورة

توفر هيدرات الغاز الموجودة في الرواسب مصدرًا هامًا للغاز الطبيعي في مختلف أنحاء العالم، لكن يعتبر استخراجها وإيجاد الطرق المثلى لاستعادتها من مخازنها مشكلة كبيرة تتطلب الفهم الشامل لخصائصها.

وفي هذا الصدد، قام فريق بحثي يضم الدكتور محمد عارف، الأستاذ المساعد في الهندسة البترولية في جامعة خليفة، باستخدام التصوير المقطعي لجهاز كمبيوتر مجهري قائم على الأشعة السينية لدراسة خصائص هيدرات الغاز في عينات من الرواسب، حيث أظهرت هذه التقنية قدرة تتيح فهم توزيع هيدرات الغاز وتشكلها في مواقعها الطبيعية، كما تحظى بآثار هامة في مجال التنقيب عن الطاقة وإنتاجها.

نشر الفريق البحثي نتائج الدراسة في المجلة العلمية "إيرث ساينس ريفيوز"  التي تعتبر واحدة من أفضل المجلات العلمية المرموقة في مجال علوم الأرض والكواكب.

وقال الدكتور محمد: "تعتبر  هيدرات الغاز الطبيعي واحدة المصادر غير التقليدية للغاز التي تحظى بإمكانات عالية من الغاز الطبيعي في جميع أنحاء الكرة الأرضية".

وأشار الدكتور محمد إلى أهمية تحديد خصائص هيكل هيدرات الغاز  ومساماته بشكل دقيق لتحقيق الاستفادة من مصادره، وقال: "يتطلب ذلك الاستعانة بتقنيات التصوير المتقدمة".

تمثل هيدرات الغاز الطبيعي مصدرًا فعالًا وواعدًا للطاقة نظرًا لكثافتها الطاقية العالية وتتميز  بأنها مواد بلورية صلبة تحتوي على جزيئات الغاز المحاطة بأقفاص جزيئات المياه المتصلة ببعضها عبر روابط هيدروجينية، حيث توجد جزيئات الغاز في أقفاص المياه، علمًا بأنها غير مرتبطة بأي روابط لكنها توجد مجتمعة مع بعضها بسبب قوة الجذب (فان دير فالز). وتتكون هيدرات الغاز عادة من خلال غاز الميثان وغيره من المواد الهيدروكربونية التي تشمل ثاني أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين.

لذلك، يعد فهم الخصائص الفيزيائية لهيدرات الغاز أمرًا في غاية الأهمية في تصميم عمليات استخراجها، وهناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا أساسيًا في هذا المجال وهي، نوع الهيدرات ودرجة تشبعها والجزيئات المستضافة في هيدرات الغاز.

تتكون أقفاص جزيئات المياه  في هيدرات الغاز من هياكل شبكية، الأمر الذي يساهم في تكوين تجاويف قادرة على التقاط الجزيئات المستضافة في الهيكل. وفي حالة هيدرات الميثان، تمثل جزيئات الميثان جزيئات مستضافة محتجزة داخل هيكل المياه الشبكي، حيث يحتل كل جزيء من الميثان قفصًا واحدًا من المياه وترتبط العديد من الأقفاص مع بعضها لتشكل هيكل هيدرات الغاز. وتلعب الجزيئات المستضافة في هيدرات الغاز دورًا كبيرًا وهامًا يتمثل بتعزيز خصائص الهيدرات الفريدة من نوعها والذي يؤثر بدوره على استقرارها ويدعم الهيكل والخصائص الفيزيائية التي تشمل الكثافة والتوصيل الحراري.

قال الدكتور محمد: "يمكن من خلال تركيب الغاز تحديد خصائص الهيكل وتركيبته وتحديد الخصائص الديناميكية الحرارية لهيدرات الغاز، كما يؤثر تركيب الغاز  على حركية الهيدرات الغازية وتشكيلها. وتحتوي الهيدرات المختلطة المعقدة على أكثر من مكون واحد، أما هيدرات الميثان البسيطة تتضمن نوعًا واحدًا من أنواع الجزئيات المستضافة، حيث يتم استخراج كل من الهيدرات المختلطة المعقدة وهيدرات الميثان البسيطة من الرواسب الطبيعية".

هناك نوعان شائعان من الهيدرات هما، الهيكل 1 والهيكل 2، ونوع غير شائع يُعرف بـ (إس إتش). ويعتبر الهيكل 1 الأبسط من نوعه ويتكون من تجويفين يحتويان على 46 جزيء مائي تساهم في التقاط الميثان وثاني أكسيد الكربون والإيثان وكبريتيد الهيدروجين، أما الهيكل 2 تحتوي هيدرات الغاز فيه على 136 جزيء مائي يستضيف بشكل خاص جزيئات البروبان والنيرتوجين والآيزوبوتين والتيتراهيدروفوران. وفي حالة هيدرات الـ (إس إتش)، يوجد هناك ثلاثة تجاويف و34 جزيء مائي، ويكمن الفرق الرئيس بين هيدرات الهيكل 1 والهيكل 2 وهيدرات (إس إتش) في أن هيكل الهيدرات في الهيكل 1 والهيكل 2 يتطلب استضافة جزيء واحد، في حين يحتاج هيكل (إس إتش) إلى استضافة جزيئين.

وفي السياق، استعان الفريق البحثي بتقنية التصوير المجهري لتحليل الهيكل الدقيق للرواسب والهيدرات الموجودة في عينات الرواسب التي تم جمعها من خليج المكسيك. وتستخدم تقنية التصوير المجهري في تصوير العينات بجودة عالية وتقوم على التقاط العديد من صور الأشعة السينية لجسم معين من مختلف الاتجاهات بواسطة برمجيات متخصصة لإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد للجسم. وبهذه الطريقة، تمكن الفريق من تصور توزيع هيدرات الغاز في عينات الرواسب وقياس حجمها في كل عينة.

وأضاف الدكتور محمد: "يمثل مشروعنا البحثي تطبيقًا عمليًا لتقنية التصوير المجهري المتطورة التي تساهم في تحديد خصائص هيدرات الغاز الطبيعي، حيث ركزت من خلاله على تطبيقات التصوير المجهري بالأشعة السينية لتحديد خصائص الهيكل الدقيق للهيدرات".

وتوصل الباحثون إلى أن الهيكل الدقيق في الرواسب، والذي تتشكل فيه هيدرات الغاز الطبيعي، يؤثر بشكل كبير على تكون هيدرات الغاز وتوزيعها. وتتميز عينات الرواسب غير المتجانسة باحتوائها على كميات كبيرة من الهيدرات مقارنة بعينات الرواسب المتجانسة. ولاحظ الباحثون كذلك وجود تنوع بحجم جسيمات الهيدرات الغازية وشكلها، ويعتمد هذا التنوع على طبيعة الرواسب.

وقال الدكتور محمد: "يعتمد تكون هيدرات الغاز على توفر درجات حرارة منخفضة وضغط عال بشكل تكون فيه كميات الغاز كافية لبدء تكون الهيدرات واستقرارها".

ويمكن أن تتوفر هيدرات الغاز الطبيعي في العديد من المواقع الجيولوجية كوجودها بين التشققات الصخرية والتصدعات التي تحدث عند تشكل الصخور، لكنها تظهر بشكل عام في البيئات الرسوبية. ويعود مصطلح (الرسوبيات) إلى الجسيمات المتفتتة التي تراكمت عبر الزمن نتيجة عمليات التآكل والترسيب، وتتفاوت هذه الجسيمات في أحجامها وتتكون من خليط من المعادن ومواد عضوية وقشور صدفية وغيرها من المواد، وتتوفر الرسوبيات عادة في مجاري الأنهار وقيعان البحيرات والبحار. وفي سياق هيدرات الغاز، تساهم الرسوبيات في إيجاد الظروف المناسبة المتمثلة بدرجات الحرارة المنخفضة والضغط المرتفع التي تعزز استقرار هيدرات الغاز.

تتطلب هيدرات الغاز درجات حرارة منخفضة نسبيًا لتتشكل وتحافظ على استقرارها، حيث تساهم الطبقات الرسوبية العازلة في الحفاظ على درجات الحرارة منخفضة. ويكثر وجود هيدرات الغاز في الرسوبيات الموجودة داخل أعماق المحيطات والمناطق القطبية الجليدية نتيجة حاجتها للضغط العالي، ويشكل وزن الطبقات العلوية في الرسوبيات ضغطًا على الطبقات الأعمق. وعلى صعيد آخر، ينتج عن تحلل المواد العضوية في الرسوبيات غاز الميثان كمادة ثانوية يتم تجميعها في هياكل شبكية مائية، مما يشكل رواسب الهيدرات.

ويعتبر حفظ كميات كبيرة من الميثان في حجم صغير نسبيًا من هيدرات الغاز مصدرًا هامًا للغاز الطبيعي، ولكن هناك بعض التحديات الاقتصادية والتقنية التي تقف عائقًا أمام استخراج الميثان والاستفادة منه، ولفهم هذه التحديات يجب البدء بتحديد خصائص هيدرات الغاز  والرسوبيات.

وقال الدكتور محمد: "لاقى استخدام  أدوات التصوير المتقدمة، كتقنية التصوير المجهري بالأشعة السينية، اهتمامًا ملحوظًا عالميًا لقدرتها على حل المشكلات العلمية والحصول على توضيح دقيق لبنية الهياكل الميكروية لمجموعة كبيرة من المواد".

وبالنسبة للدكتور محمد والباحثين في منطقة الشرق الأوسط، لا تمثل الصخور الرسوبية وهيدرات الغاز محط اهتمامهم الرئيس. ففي الوقت الذي تم فيه العثور على هيدرات الغاز  في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المناطق القطبية وخليج المكسيك وبحر جنوب الصين، قليل من الدراسات التي ركزت على وجود هيدرات الغاز  في منطقة الشرق الأوسط التي تتميز جيولوجيتها بالصخور  التي لا تؤدي إلى تشكل هيدرات الغاز ، إضافة إلى أن هذا الجزء من العالم معروف بارتفاع درجات حرارة المياه فيه وليس انخفاضها.

وتشير بعض التقارير إلى وجود هيدرات الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يُقدر حجم الغاز الطبيعي بـ  1.7 ترليون متر مكعب  وهو ما أثار اهتمام الباحثين في منطقة بلاد الشام، إلا أن الدكتور محمد عارف ركز اهتماماته بشكل أكبر على الصخور الرملية والزيتية التي تحظى بإمكانات كبيرة من الهيدروكربون.

وعلق الدكتور محمد عارف، قائلًا: " على الصعيد الإقليمي، يقدر أن دولة الإمارات تمتلك حوالي 160 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز غير التقليدية القابلة للاستخراج، ومن المتوقع أن يتم إضافة مليار قدم مكعب يوميًا إلى صافي محفظة الإمارات للغاز الطبيعي عبر إنتاج الغاز  من مصادر غير تقليدية بحلول عام 2030". وأضاف: "يُعتبر تحديد خصائص مثل هذه المصادر غير التقليدية أمرًا صعبًا ويتطلب إطار عمل تصويري متعدد المقاييس، وهنا تكمن أهمية تطبيقات التصوير المجهري".

وقد يقوم الدكتور محمد وفريقه، من خلال اختبار التقنيات على هيدرات الغاز الطبيعية في صخور الرواسب من مسافات بعيدة، باستنباط المنهجية وتطبيقها على جيولوجيا منطقة الشرق الأوسط. ويذكر أيضًا أنه من الصعب الاستفادة من مصادر  هيدرات الغاز، تمامًا كما هو الحال في مصادر الصخر الزيتي غير التقليدية. ويُساهم البحث في فهم خصائص الغاز الطبيعي في المصادر غير التقليدية في تعزيز عمليات التنقيب عن الهيدروكربون وإنتاجه.