توصل البحث إلى وجود علاقة بين الطفرات الجينية المرتبطة بالبدانة ومختلف أنواع السرطانات
فريق بحثي من جامعة خليفة يكشف عن الروابط الجينية المحتملة بين البدانة والإصابة بالسرطان

ترتفع معدلات الإصابة بمرض السرطان عالميًا مع الارتفاع المتزايد في حالات السمنة. لذلك، أصبحت هذه العلاقة التي تربط بين الحالتين محط اهتمام العديد من الباحثين نتيجة خطورة كل منهما على صحة الإنسان.

ترتبط النيوكليوتيدات الفردية متعددة الأشكال الموجودة في الكتلة الدهنية من جسم الإنسان بشكل وثيق بالجين المرتبط بالسمنة، وذلك وفق دراسة صدرت في العام 2007. ويمكن تعريف النيوكليوتيدات الفردية متعددة الأشكال بأنها طفرات زوجية تحدث في موقع معين خلال عملية تسلسل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (دي إن إيه) وهي مسؤولة عن أكثر من 80% من التغيرات الفارقة بين فردين.

تقوم الشيفرات الجينية في الكتلة الدهنية بالتأثير على جزيء معين يعرف باسم "إم 6 إيه"، وهو  مادة كيميائية مشتقة من مادة الأدينوسين الموجودة في الحمض النووي الريبوزي (آر إن إيه) وتلعب العديد من الأدوار الهامة في مجال تنظيم التعبيرات الجينية من خلال وجودها في عشرات الآلاف من المواقع في جميع خلايا الجسم وأنسجته. إضافة لذلك، تساهم مادة "إم 6 إيه" في التأثير على عمليات التعبير الجيني، فهي المنظم الرئيس لعدد كبير من العمليات الحيوية الهامة في وظائف الأعضاء والأمراض ومنها مرض السرطان.

وتشير البحوث الحديثة إلى عدم انتظام مستويات جين البدانة في الكتلة الدهنية ومادة "إم 6 إيه" في العديد من السرطانات، الأمر الذي دعا الباحثين لدراسة العلاقة بين الحالتين.

وفي هذا الصدد، قام الفريق البحثي المكون من سارة عزام، طالبة دكتوراه والدكتورة حبيبة الصفار، أستاذة مشاركة ومديرة مركز جامعة خليفة للتكنولوجيا الحيوية والدكتور عبد الرحيم ساجيني، أستاذ مساعد في الهندسة الطبية الحيوية، بمراجعة الورقة البحثية التي تركز على مادة "إم 6 إيه" وجين البدانة في الكتلة الدهنية للتأكد من ارتباط الجين المسؤول عن البدانة في التسبب بالسرطان ومناقشة المنهجيات الجديدة بالاستعانة بالحمض النووي الريبوزي (آر إن إيه). وتهدف مراجعة الفريق البحثي للدراسة إلى إثبات دور مادة "إم 6 إيه" كعامل خطر في حالات البدانة والسرطانات.

وقد تم نشر النتائج البحثية لدراسة الفريق في المجلة الدولية "ذي إنترناشونال جورنال أوف موليكيولر ساينسز"، المجلة العلمية المتخصصة في الكيمياء والفيزياء الجزيئية والأحياء الجزيئية.

ومن جهة أخرى، تعتبر البدانة خطرًا دوليًا رئيسًا يهدد الصحة العامة وتشكل عبئًا اقتصاديًا على المستوى العالمي. فعلى الرغم من العوامل البيئية المسببة للبدانة والتي تشمل تدني مستويات النشاط البدني مقارنة بارتفاع معدل كمية الأكل، توجد بعض العوامل الجينية التي يجب أخذها بعين الاعتبار والتي تؤثر بشكل كبير في حساب مؤشر كتلة الجسم.

تؤثر الجينات بشكل عام في كل جانب من جوانب جسم الإنسان وتطوره وطريقة تكيفه، بما في ذلك البدانة، كما أن العديد من العوامل الجينية مسؤولة  عن كل شكل من أشكال البدانة، ولكن يركز هذا البحث على البدانة الأكثر شيوعًا بين السكان والتي تسببها شكل معين من أشكال الجينات.

من جانبه، قال الدكتور عبد الرحيم ساجيني: "يرتبط جين البدانة في الكتلة الدهنية بشكل كبير ووثيق بالسمنة متعددة الجينات، حيث تساهم التحورات التي تحدثها مادة "إم 6 إيه" في الحمض النووي الريبوزي (آر إن إيه) والحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (دي إن إيه) في ضبط وتنظيم العديد من العمليات الخلوية. وعلى صعيد آخر، يسبب الخلل في توازن مادة "إم 6 إيه" في حدوث اضطرابات مختلفة في جسم الإنسان كالسمنة والسرطان. وقد أكدت الدراسات الحديثة عدم انتظام مادة "إم 6 إيه" والجين المسؤول عن البدانة في العديد من السرطانات، الأمر الذي قد يشير  إلى أن تكون مادة "إم 6 إيه" عامل خطر في حالات البدانة".

وفي نطاق الدراسات المرتبطة بالجينوم، سجل الجين المسؤول عن البدانة أعلى درجات في ارتباطه بحالات السمنة وأمراض السرطان، حيث أوضح الباحثون أن التغيرات الحاصلة في ذلك الجين تفسر الخلل في توازن مادة "إم 6 إيه" في حالتي السمنة والسرطان. ويركز  البحث في الوقت الحالي على جين البدانة في مجال نمو الخلايا الدهنية ونمو الخلايا السرطانية، نظرًا لازدواج وظيفة هذا الجين في التسبب بالبدانة والسرطان بطرق مشتركة.

وأثبتت بعض البحوث أن التعبير الجيني المسؤول عن البدانة في الخلايا السرطانية في الثدي يؤثر بشكل ملحوظ على عمليات الأيض وإنتاج الطاقة في الجسم. إضافة لذلك، تؤكد الدراسات التي راجعها الفريق البحثي على أنه قد يشكل جين البدانة هدفًا يمكن الاستفادة منه في تطوير العلاجات للعديد من الاضطرابات الجسدية، خاصة السرطانات.

وأضاف الدكتور عبد الرحيم: "لا يزال تطوير المثبطات الخاصة بجين البدانة في الكتلة الدهنية قيد التنفيذ، حيث يتطلب الانتقال من دراسات الجينوم إلى البحث في الأسس الجزيئية والحيوية استخدام جميع التكنولوجيات المتاحة لنا ليتسنى لنا الفهم الشامل  لأدوارها في الأمراض كالبدانة والسرطان، وبالتالي تطوير العلاجات المحددة لتحقيق نتائج صحية أفضل".