دور الحوسبة الطبية الحيوية في تعزيز إمكانيات التطوير في مجال البحوث

لا تزال التحديات الصحية تشكل واحدة من القضايا العالقة منذ زمن طويل في المنطقة العربية، إلا أن البحث في مجال الحوسبة الطبية الحيوية يمثل الطريقة الأمثل  للتصدي لتلك التحديات.

تؤثر مجموعة من العوامل على عملية تزايد الطلب على قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط والتي تشمل السكان من كبار السن والزيادة المتوقعة في متوسط الأعمار وأساليب الحياة المستقرة والتي تؤدي إلى زيادة في معدلات البدانة وأمراض السرطان والسكري.

أصبحت الحوسبة الطبية الحيوية بفضل التقدم الذي طرأ على تكنولوجيا الحوسبة مؤخرًا من أكثر المجالات البحثية الفعالة في جميع أنحاء العالم، حيث ظهرت زيادة كبيرة في حجم البيانات الطبية الحيوية التي تنتجها التكنولوجيات المرتبطة بالرعاية الصحية الحديثة، إلا أن أحجام هذه البيانات تشكل تحديات تحليلية عند السعي لاستنتاج المعرفة التي تتضمنها.

تمكن الباحثون في المنطقة العربية من إحداث بعض التطورات على صعيد التطبيقات المتنوعة التي تعتمد على الحوسبة الطبية الحيوية وبالتالي تحفيز الفائدة من الناحية التجارية. وفي هذا الإطار، قمت أنا وزملائي بتسليط الضوء على تلك الجهود البحثية الهامة وتوضيح الطريقة التي يساهم بها هذا البحث في معالجة قضايا الرعاية الصحية في المنطقة، وقد قمنا بكتابة مقال بهذا الشأن تم نشره في المجلة العلمية "كوميونيكيشنز أوف ذا إيه سي إم"، وهي مجلة صادرة عن جمعية الحوسبة الآلية، حيث ركزنا على ثلاثة مجالات رئيسة للحوسبة الطبية الحيوية تشمل التصوير الطبي الحيوي وتحليل الإشارات الطبي الحيوي والمعلوماتية الحيوية.

وقد تم استخدام التصوير الطبي الحيوي على نطاق واسع في العالم العربي نظرًا للانتشار الكبير للأمراض التي تعتمد على تقنيات التصوير للحصول على تشخيص دقيق، كما قامت المجموعات البحثية في جميع  أنحاء المنطقة بنشر  بحث في هذا المجال بالاستعانة بمختلف تقنيات تعلم الآلة، ويتضمن البحث تحديد مواقع نماذج القلب باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي والتشخيص بالاستعانة بأجهزة الكمبيوتر  لفهم سلوك الأورام، إضافة لتشخيص مرض الزهايمر باستخدام تقنية التصوير  مصفوف الانتشار. وفي ظل جائحة فيروس كوفيد-19، قدم العديد من الباحثين طرقًا لتوفير  صور مقطعية دقيقة وبشكل سريع لأهميتها في تشخيص الإصابة بالفيروس.

ويعتبر  تحليل الإشارات الطبي الحيوي مجالًا رئيسًا آخرًا، حيث تساهم هذه التقنية في تسجيل الإشارات الفيزيولوجية المختلفة في جسم الإنسان، ليتم بعد ذلك استخدام تلك الإشارات في تشخيص العديد من الأمراض وتحديد وظائف الأعضاء المختلفة. وفي هذا الصدد، تقوم مجموعة بحثية من جامعة خليفة متخصصة بمعالجة الإشارات الطبية الحيوية بتطوير  تقنية تخطيط القلب الصوتية للأجنة وكذلك تقنية تخطيط القلب الكهربائية للبالغين، وكلاهما تقنيات تعتمد على معالجة الإشارات وتهدف إلى تقليل نسب وفيات المواليد والوفيات الناتجة عن أمراض القلب المفاجئة.

تعتبر  أمراض القلب من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة في المنطقة العربية والعالم. لذلك، يفخر فريق بحثي من جامعة خليفة بالمساهمة في الجهود البحثية العالمية الرامية لتشخيص مشكلات عدم انتظام ضربات القلب والتنبؤ بها، حيث قام الفريق بتطوير جهاز حديث بخوارزمية جديدة يقوم بالتنبؤ  بحدوث الأزمات القلبية قبل وقوعها، كما طوروا جهاز استشعار  تخطيط القلب الصوتي الفعال بتكلفة اقتصادية منخفضة للكشف عن أصوات قلب الجنين وبالتالي تزويد تقديرات دقيقة لمعدلات نبض قلب الجنين.

ويمثل تحليل إشارات الدماغ اتجاهًا بحثيًا هامًا أيضًا في مجال تطبيقات الحوسبة الطبية الحيوية، حيث قام الباحثون بتحديد خصائص شبكات الدماغ المرتبطة بالعجز الإدراكي لدى مرضى الأعصاب كالزهايمر الذي تسببه تغيرات في شبكات الدماغ. ويعد هذا البحث مكملًا  للمقاييس المتوفرة في الوقت الحالي والمستخدمة  في تشخيص مرض الزهايمر، خاصة في مراحله المبكرة.

من ناحية أخرى، قدمت دراسة أخرى تقنية تساهم في تقييم القدرات العقلية في التركيز لفترات طويلة وتقوم من خلالها هذه التقنية برصد التغيرات الحاصلة في أنماط التواصل عبر مناطق مختلفة من الدماغ. ونتج عن بحث تحليل الإشارات الطبية الحيوية في المنطقة العديد من المساهمات الفعالة والمتنوعة الرامية إلى إيجاد الحلول لمختلف التحديات التقنية في المجال، إضافة لمعالجة العديد من المشكلات الصحية لدى السكان.

أما في مجال المعلوماتية الحيوية، فقد استفاد الباحثون من الأساليب الحوسبية الفعالة للتصدي للأمراض الوراثية المنتشرة في المنطقة، حيث تم بذل العديد من الجهود لتطوير  برامج الجينوم المحلية من خلال المشاريع التي تركز على التخلص من الطفرات المسؤولة عن الاضطرابات الوراثية لدى السكان. فعلى سبيل المثال، تمكن المشروع الإماراتي من تحديد 1000 جينوم للأفراد، كما ويتطلع إلى تغطية كافة السكان في الدولة. ويحظى بحث المعلوماتية الحيوية بإمكانات تساهم في تعزيز جودة حياة الملايين من الأفراد في المنطقة العربية وبشكل جذري.

وتشهد المنطقة العربية كمًا كبيرًا من الأنشطة الريادية القائمة على مسارات الحوسبة الطبية الحيوية المختلفة في العديد من القطاعات، ومثال ذلك بحث جامعة خليفة في مجال معالجة الإشارات الطبية الحيوية والذي يُطلق عليه (المشروع البحثي الطبي المتقدم)، حيث نجم عنه شركة ناشئة مقرها دولة الإمارات، وتم ترخيصها بهدف التسويق لتكنولوجيا تخطيط القلب الصوتي للأجنة والتي يمكن الاستفادة منها في المنازل.

يُذكر أن البحوث في مجال الحوسبة الطبية الحيوية تساهم في تعزيز  ثقافة ريادة الأعمال والمشاريع الجديدة في المنطقة وفتح قنوات التطوير التي تضاعف النتائج العائدة من بحوث الحوسبة الطبية الحيوية. ويساهم كل من مركز  ابتكار هندسة الرعاية الصحية في جامعة خليفة ومركز التكنولوجيا الحيوية بعدد كبير من البحوث في هذا المجال.