باحثون من جامعة خليفة يطورون نموذجاً لتحديد أولويات أخذ لقاح فيروس كوفيد-19 للحد من عدد الوفيات

باتت لقاحات فيروس كوفيد-19 قريبة وذلك بعد مرور أشهر طويلة من الظروف الصعبة والاستثنائية التي سببتها الجائحة، إلا أن المشكلة التالية تكمن في توزيع تلك اللقاحات على المليارات من سكان العالم، فالتحدي اليوم لا يقتصر على تصنيع الجرعات أو شحنها من دولة لأخرى، بل يتعدى ذلك إلى الأولوية في أخذ اللقاح بالنسبة للأفراد.

 يعتبر التطور السريع في عملية تصنيع لقاحات فيروس سارس كوف-2 إنجازا كبيراً، حيث تساهم في اللقاحات الآمنة والفعالة في الحد من عدد الوفيات الناجم عن الفيروس وإنعاش الجانب الاقتصادي.

يشكل توفير اللقاحات لجميع سكان العالم خلال فترة زمنية قصيرة تحدياً جديداً للحكومات والهيئات الصحية، يتمثل في تحديد المجموعات السكانية المستهدفة في الدرجة الأولى والترتيب المتسلسل الذي يلي ذلك، وبالتالي الحد من نسبة ضحايا الفيروس.

وفي هذا الصدد، قمت بمشاركة فريق جامعة خليفة البحثي في تطوير نموذج رياضي يهدف إلى دراسة أثر اللقاح على عدد الوفيات وحجم انتشار الفيروس لدى مختلف المجموعات السكانية المرتبة وفقاً للفئة العمرية وتتبع مراحل تفشي الجائحة. وقد ضم الفريق البحثي الذي عملت معه كلاً من الدكتور موريسيو باتون، باحث ما بعد الدكتوراه والدكتور خوان أكونا، أستاذ مشارك ورئيس قسم الأوبئة والصحة العامة، حيث قمنا بتقييم العديد من الاستراتيجيات ومقارنتها لتحديد تسلسل أولويات أخذ اللقاح بطريقة أكثر فاعلية بهدف تقليل مجموع عدد الوفيات بعد انتهاء حملة اللقاحات.

ساهم تفشي فيروس كوفيد-19 في توجيه الأنظار إلى النمذجة الرياضية بطريقة غير مسبوقة، ما يؤكده تطوير العديد من نماذج الأوبئة التي تحاول التنبؤ بالجائحة على نطاقها الواسع.

 ويعتمد النموذج الذي طورناه حديثاً على نموذج سابق قمنا بتطويره في شهر مارس الماضي والذي تنبأ بتأثير الإجراءات المختلفة على انتشار الفيروس، حيث استعنا ببيانات وبائية من إسبانيا، نظراً لتوفرها وبشكل مفصل. ويقوم النموذج السابق على تقسيم السكان في مجموعات وفقاً للفئة العمرية، ويسعى إلى تقييم أثر الإجراءات المتبعة (كالعزل وارتداء الكمامات) في آليات تفشي الفيروس، كما تم تصميمه ليكون مصدراً متاحاً للجميع كخطوة أولى لصناع القرارات في فهم النتائج المترتبة على انتشار الفيروس. لذلك، تعتبر النماذج الرياضية واحدة من أهم المنهجيات وأكثرها فعالية في فهم انتشار أي مرض منذ وقت طويل، كما تم تطويرها بشكل جذري خلال السنوات الماضية.

وفي إطار توفر اللقاح، تتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى تقييم استراتيجيات التلقيح ضد المرض للوصول إلى أفضل استراتيجية ممكنة في تلقيح السكان للحد من عدد ضحايا الفيروس.

ويتم توزيع الأفراد، في هذا النموذج الجديد، في مجموعات سكانية وفقاً للفئة العمرية ووظائفهم وأسباب وبائية أخرى، حيث لم يشمل النموذج مجموعات كالعاملين في قطاع الرعاية الصحية (كون أن تلك الفئة تأخذ الأولوية لأسباب وبائية أخرى).

وأظهر النموذج عند اختبار تجارب التلقيح في الدول التي تشهد نسب مرتفعة في فئة كبار السن، كأوروبا والولايات المتحدة، نتائج تثبت فعالية ترتيب عملية إعطاء اللقاح حسب الأولويات السكانية من خلال تحقيق مستويات متدنية بشكل ملحوظ في مجموع عدد الوفيات، حيث وصلت النسبة إلى ما يزيد على %70 في بعض الحالات.

وأكدت النتائج كذلك إلى إعطاء أولوية أخذ اللقاح للمجموعات السكانية ذات معدلات مرتفعة في نسب التواصل المباشر بين الأفراد وبشكل يومي، ولا يُشترط إعطائها لفئة كبار السن للحد من عدد وفيات الفيروس.

وقد لا تنطبق هذه الاستنتاجات على بعض المجموعات كالعاملين في قطاع الرعاية الصحية والأفراد المعرضين للإصابة بشكل كبير بسبب ظروف عملهم كما أعلنت دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. في حين قررت دول أخرى، كإندونيسيا، اتباع نظام مشابه للذي اقترحناه والذي يبدأ بالمجموعات السكانية الأكثر تفاعلاً.

من ناحية أخرى، لا يمكن اعتبار دراستنا الأولى في هذا المجال الذي يركز على تسلسل اللقاح بدءاً بإعطاء الأولوية للأفراد المتفاعلين بشكل مباشر، حيث تم اعتماد هذا النظام في لقاح الإنفلونزا وقد أثبت فعاليته، كما تمكن، وبشكل غير مباشر، من حماية المجموعات السكانية المعرضة للإصابة بسهولة من خلال إعطاء اللقاح للفئة الأولى والتي تنقل الفيروس عبر التواصل اليومي المباشر.

قمنا، في الأسابيع القليلة الماضية، باختبار النموذج على السكان في أبوظبي والتي تختلف عن دول أوروبا في ارتفاع نسبة الشباب فيها، وتبين لنا أن إعطاء اللقاح لفئة كبار السن في أبوظبي لا يشكل أي أثر سلبي على النتائج العامة، نظراً لانخفاض أعداد تلك الفئة.

وتشير نتائجنا كذلك إلى أن إعطاء اللقاح وفقاً لتسلسل الأولويات في دولة الإمارات لا يُحدث فرقاً كبيراً مقارنة مع الدول التي ترتفع فيها نسبة كبار السن، خاصة وأن اللقاحات المتوفرة داخل الدولة تغطي جميع الفئات بشكل تام.

ويعد تنظيم حملات اللقاح ضد فيروس كوفيد-19 أمراً في غاية الصعوبة. لذلك، فهو يحتاج إلى دعم ذوي الخبرات من مختلف التخصصات، كما يعتمد نجاح تلك الحملات على وصولها الشامل لجميع الأفراد وإعطائها لكافة شرائح المجتمع حالما توصي الهيئات الصحية بذلك ودون تأخير.

يذكر أنه سيتم نشر هذا البحث كدراسة مرجعية، كما أنه متوفر على الموقع الإلكتروني المتخصص بالعلوم الطبية والصحية "ميد أركايف".