تحديد سياق جائحة فيروس كورونا في إطار السياسات المتعلقة بالطاقة والمناخ

أثرت جائحة فيروس كورونا العالمية بشكل سريع على مجتمعاتنا وسببت اضطراباً في الاقتصاد العالمي وأثقلت كاهل أنظمة الرعاية الصحية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية حول العالم. وعلى الرغم من تلك الآثار المترتبة على الجائحة والتي تعتبر في غاية الأهمية، لا يمكننا التغاضي عن الآثار التي تركتها على سياسة المناخ والطاقة.

قدم الدكتور ستيف جريفث، نائب رئيس أول في البحث والتطوير في جامعة خليفة، مجموعة من الأفكار والمعلومات حول العلاقة التي تربط بين فيروس كوفيد-19 والسياسات المتعلقة بالمناخ والطاقة، وتم نشر الورقة البحثية في قسم خاص للمجلة الدولية "إنيرجي ريسيرتش آند سوشال ساينس" التابعة لدار النشر "إلزيفير". ويركز الدكتور ستيف في ورقته التي شارك فيها كل من الدكتور بنجامين سوفاكول من جامعة ساسيكس وديلان فورزيفر دل ريو من جامعة كوينز بلفاست وجامعة خليفة، على الآثار التي تركتها الجائحة على ميزان العرض والطلب العالمي على الطاقة وإدارتها والتحولات الرامية للحد من نسبة الكربون مستقبلاً والعدالة الاجتماعية، وذلك من خلال وجهات نظره الخاصة والاستنتاجات الرئيسة التي توصل إليها.

وفي السياق، ساهمت الإجراءات المتبعة للسيطرة على فيروس كورونا في انخفاض معدل استهلاك الطاقة وتدني نسب التلوث الجوي وتغير المناخ بشكل مباشر، حيث توجد علاقة وطيدة بين تلك الإجراءات من جهة والطلب العالمي على الطاقة وانبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من جهة أخرى، نظراً للإغلاقات الشاملة الإجبارية في جميع أنحاء العالم والقيود الموضوعة على السفر.

شهد حوالي أكثر من نصف سكان العالم، وتحديداً في شهر أبريل 2020، إغلاقات شاملة بسبب تفشي انتشار فيروس كورونا كإجراء احترازي اتخذته معظم دول العالم، والذي أدى إلى حدوث انخفاض في معدل حركة النقل، حيث لم يقتصر تأثير فيروس كوفيد-19 على حركة السفر والنقل والطاقة اللازمة لذلك بل تعدى ذلك ليصل إلى سلسلة توريد الطاقة والمؤسسات ذات العلاقة.

من ناحية أخرى، انخفضت نسبة طلب السكان على الألواح الشمسية على الرغم من تنبؤات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بأن يكون الطلب في العام 2020 مساوياً لنظيره للعام 2019، إلا أنها جاءت على العكس تماماً بنسبة بلغت %20 دون المتوقع.

ويتوقع انخفاض في مستوى الاعتماد على الطاقة الشمسية في الهند مستقبلاً، نظراً لتدني مستويات تصنيع تكنولوجيا الألواح الشمسية المستوردة من الصين كنتيجة للجائحة. وأظهرت تقارير وكالة الطاقة الدولية الجديدة بعض المرونة حيال الطاقة المتجددة خلال فترة الجائحة، الأمر الذي يبعث على التفاؤل لمواصلة الإنجازات في مجال الاستفادة من الطاقة المتجددة في أنظمة الطاقة العالمية.

وتعتبر أسواق الوقود الأحفوري العالمية من أبرز قطاعات الطاقة التي تأثرت بشكل كبير بفيروس كورونا كوفيد-19، حيث قام الفيروس بتعطيل أسواق النفط العالمية بطريقة لم يشهدها التاريخ، مما حد من قدرات مزودي النفط في التحكم بسوق النفط، والذي أدى بدوره إلى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي.

وتتجاوز الآثار المترتبة على كوفيد-19 حدود استهلاك الطاقة وانبعاث الغازات المرتبطة بالسفر والتنقل والإغلاقات إلى تشكيل مؤسسات الطاقة ووضع أطر السياسات المتعلقة بذلك، فقد أثرت الجائحة على حياة جميع السكان وعلى الاقتصاد الذي تستدعي عملية إعادة تنشيطه قيام الحكومات بوضع المعايير والقواعد الاقتصادية التي تساهم في الحد من ظاهرة تغير المناخ وتطبيقها على نطاق واسع عالمياً. فعلى سبيل المثال، فرضت الجائحة بعض القواعد ذات الأثر الإيجابي طويل الأمد على المناخ تشمل الاجتماعات الافتراضية كبديل عن رحلات السفر بسبب العمل، إلا أن ذلك قد يؤثر على قطاع صناعة الطيران والرحلات الجوية، الأمر الذي يستدعي النظر في مدى تأثير الممارسات الاقتصادية على القطاع عند وضع الأطر السياسية المتعلقة بالمناخ.

يذكر أن فيروس كوفيد-19 ساهم في تشكيل النماذج العالمية التي تركز على استهلاك الطاقة وصنع القرارات وتسليط الضوء على مواضع الخلل المتعلقة بالطاقة، حيث عززت الجائحة روح التحدي لدى الباحثين في مجال المناخ والطاقة لتحديد مسارهم البحثي تجاه مستقبل الطاقة والمناخ. وعلى صعيد آخر، وفرت هذه الأزمة الصحية فرصة استراتيجية تهدف إلى تطوير أجندة المناخ العالمية لتحقيق الانتقال السلس إلى مستقبل مستدام، فقد تقودنا الجائحة إلى مستقبل أفضل في حال تمكنا من تحقيق الاستفادة من السياسات المناخية.