يعتبر إيجاد وسائل فعالة للتقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون ضرورة مُلِحة أكثر من أي وقتٍ مضى في ظل ما يواجهه العالم من تأثيرات متزايدة ناجمة عن التغير المناخي، خاصة أن الطرق التقليدية المستخدمة في احتجاز ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من فعاليتها، غالبًا ما تواجه تحديات فيما يتعلق بالحجم واستهلاك الطاقة والتكلفة.
في هذا الإطار، أجرى باحثون دراسة نجحوا من خلالها في تطوير طريقة مبتكرة من شأنها أن تتيح عملية سلسة لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى مُنتَج مفيد، وهو غاز الميثان. وتهدف هذه الدراسة إلى إحداث نقلة كبيرة في مجال الدراسات المتعلقة بتطبيقات إنتاج الميثان واعتماد طرق ذكية وبأسعار معقولة للتصدي للمشاكل الكبرى من خلال تنشيط جزيئات ثاني أكسيد الكربون الصغيرة.
وقامت الأستاذة الدكتورة كيرياكي بوليكرونوبولو، مديرة مركز التحفيز والفصل في جامعة خليفة، بهذه الدراسة بالتعاون مع كل من الدكتورة أسيل حسين، باحثة دكتوراه في مركز التحفيز والفصل في جامعة خليفة أيضًا وأناستاسيوس تسيوتسياس ونيكولاس تشاريزيو وماريا غولا من جامعة غرب مقدونيا في اليونان وفيكتور سيباستيان من جامعة سرقسطة في إسبانيا. الجدير بالذكر أن أناستاسيوس تسيوتسياس، طالب دكتوراه في جامعة غرب مقدونيا، قام بدراسة بحثية في جامعة خليفة خليفة عندما جاء كباحث علمي زائر في فبراير 2023، حيث أجرى مشروع رائد ركز على التخلص من الكربون في مركز التحفيز والفصل. وقد اعتمد الباحثون في هذه الدراسة نهجًا يقوم على تنشيط عملية التحفيز المزدوج والذي يعني احتجاز ثاني أكسيد الكربون أولًا بواسطة مواد ماصة ثم تحويله بعد ذلك بمحفز ثنائي المعدن. وتتضمن هذه العملية الدمج ما بين المواد الماصة المكونة من ألومينات الصوديوم ومحفزات ثنائية المعدن (النيكل والروثينيوم) والتي تمت صياغتها على نحو خاص لتحويل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون إلى ميثان.
وقد نُشِرَت نتائج البحث الذي أجراه الفريق في مجلة كيميكال انجنيرينغ، والتي تندرج في قائمة أفضل 1% من المجلات العلمية في مجال الهندسة الكيميائية.
وتكمن حداثة هذا الابتكار في أن التقاط ثاني أكسيد الكربون وتحويله يحدثان في مواقع مختلفة، تم تصميمها لتكون قريبة من بعضها البعض. وتجمع الطريقة التي ابتكرها الباحثون ما بين احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى ميثان في عملية واحدة متكاملة تجري في درجة حرارة منخفضة نسبيًا تبلغ 300 درجة مئوية، لأن انخفاض درجات حرارة التشغيل تعني تحسين مستوى استقرار المواد وتقليل تكلفة الطاقة. علاوة على ذلك، أثبتت هذه الطريقة فاعليتها حتى في وجود الأكسجين والماء، وهما من الشوائب الشائعة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الأنشطة الصناعية، الأمر الذي يؤكد فعالية هذه الطريقة عند إجرائها في ظروف فعلية واقعية.
ويُعَد دور المحفز ثنائي المعدن هامًا في هذه الطريقة، إذ يعمل الروثينيوم على تحسين نشاط المحفز في درجة حرارة منخفضة ويخفف من حدة التأثيرات السلبية الناجمة عن الأكسجين والماء. ويضمن ذلك احتفاظ المحفز بقدرٍ عالٍ من النشاط والتوازن، وهو ما يُعَد عاملًا ضروريًا لضمان استمرارية العمليات الصناعية.
تعتبر تطبيقات هذه التقنية واسعة النطاق، حيث يمكن استخدام الميثان كغاز طبيعي في الصناعة لتقليل الانبعاثات الكربونية أو كوسيلة قيمة لنقل الطاقة. لكن تحتاج هذه التقنية الواعدة إلى المزيد من البحث والاستخدام الأمثل ليتم الانتقال من المختبر إلى التطبيقات الصناعية. وتتمثل الخطوات الرئيسة المقبلة في توسيع نطاق العملية وضمان توازنها على المدى الطويل وتقييم جدواها الاقتصادية، كما يمكن أن يساهم البحث في تطوير المواد ذات الوظائف الثنائية، كاحتجاز ثاني أكسيد الكربون بالتزامن مع تحويله إلى ميثان، في تسهيل العمليات وجعلها أكثر كفاءة وتوفيرًا للتكلفة الاقتصادية.
سيد صالح
أخصائي ترجمة وتعريب