منظور جديد في التأثير المتبادل بين أهداف التنمية المستدامة والمخاطر التجارية على مستوى الدولة
بحوث من جامعة خليفة تقدم أفكارًا متطورة تساهم في إيجاد بيئة تجارية مستدامة وفعالة اقتصاديًا لصنّاع السياسات

يمكن تلخيص مفهوم التصور العالمي للاستدامة على أنه تلبية احتياجات اليوم دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة. ويعتبر هذا المفهوم، الذي يشمل الموازنة بين العوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية، العمود الفقري لأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة في عام 2015، لكن يتضمن السعي لتحقيق ذلك التوازن ظهور بعض المخاطر المحتملة المتمثلة بالتردي البيئي والفوارق الاجتماعية والجوانب الاقتصادية والتي تفرض تحديات كبيرة للأجيال الحالية والمستقبلية.

 

يساهم مفهوم المخاطر التجارية على مستوى الدولة، وهي احتمالية مواجهة عقبات عند الانخراط في الأعمال التجارية في دولة ما، في إضافة المزيد من العوائق إلى مجموعة التحديات المعقدة. ويعد الفهم الشامل لأوجه الترابط بين أهداف التنمية المستدامة والمخاطر التجارية أمرًا بالغ الأهمية في مجال تحقيق مستقبل مستدام، لا سيما في ظل الأعمال التجارية القائمة اليوم في منظومة عالمية متداخلة. 

 

وفي هذا الإطار، طور فريق من الباحثين من جامعة خليفة بإشراف الدكتور ميسيت كان إيمر سمسكلير، الأستاذ المشارك في هندسة علوم الإدارة، نموذجًا لاستكشاف أشكال التبعية بين مخاطر أهداف التنمية المستدامة والمخاطر التجارية لمساعدة صناع السياسات على تخفيف المخاطر التجارية مع المساهمة في تحقيق أهداف الاستدامة الوطنية، حيث تعاون كل من الدكتور ميسيت وأبرون كازي من الجامعة الأمريكية في الشارقة، وم. ك. س المهداوي من جامعة تيسايد، ونُشرت نتائج بحثهم في مجلة "كلينر بروداكشن"، التي تعتبر واحدة من أفضل 1% من المجلات الأكاديمية في مجال الاستدامة والأعمال.

 

يُعد فهم مخاطر الاستدامة على مستوى الدولة أمرًا بالغ الأهمية لتقليل تعطل العمل والإضرار بالسمعة مع ضمان الامتثال للوائح والحفاظ على علاقات جيدة مع المستثمرين.


ولم يتم حتى الآن إجراء دراسة شاملة حول آلية التأثير المتبادل بين كل من  مخاطر أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والمخاطر التجارية، على الرغم من توفر الدراسات المتمركزة حول العلاقة بين جوانب الاستدامة والمخاطر التجارية. وفي هذا الصدد، سعى الدكتور ميسيت من خلال بحثه إلى سد هذه الفجوة من خلال القيام بدراسة شاملة شبكة العلاقات المعقدة بين كل من مخاطر أهداف التنمية المستدامة والمخاطر التجارية، بهدف توفير أساس فعال لعملية فهم أوجه الترابط ووضع الخطط التي تساهم في صنع القرارات الشاملة. 

 

فمثلًا، أكدت الدراسات السابقة على أهمية الأداء البيئي كمؤشر للمخاطر التجارية، في حين سلطت نتائج هذه الدراسة الضوء على الموضوع بشكل شامل ومفصل، حيث ركزت أهداف التنمية المستدامة على "جودة التعليم" و"القضاء على الفقر" و"الطاقة النظيفة منخفضة التكلفة"، والتي تمثل جميعها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للاستدامة على التوالي، واعتبرتها أهدافًا محورية تعزز فهم العلاقة بين مخاطر أهداف التنمية المستدامة والمخاطر التجارية.

 

يدعو هذا البحث أيضًا إلى إشراك العديد من الجهات ذات الصلة، لأن التصدي لمجموعة التحديات المتشابكة الخاصة بأهداف التنمية المستدامة يتطلب تكثيف الجهود التي تبذلها الشركات والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الأكاديمي. 

 

وتتمحور الفكرة الرئيسة حول الحاجة إلى دمج جميع العوامل المتعلقة بالاستدامة في عمليات إدارة المخاطر التقليدية، لا سيما أن محاور المخاطر التقليدية ركزت على المخاطر المالية في ظل الظروف المتطورة والتي تستدعي النظر بشكل موسع، مع الأخذ بالاعتبار مخاطر الاستدامة.


سلطت هذه الدراسة الضوء على الطبيعة المعقدة لمخاطر أهداف التنمية المستدامة والمخاطر التجارية، إلا أنه حتى الآن لم يتم الكشف عن العديد من الطرق كالسلوك الديناميكي للتجارة ومخاطر أهداف التنمية المستدامة والاستراتيجيات المفصلة التي تهدف إلى التخفيف من هذه المخاطر المداخلة. 

 

ووفقًا للدكتور ميسيت، يمكن للبحوث اللاحقة أن تبحث بشكل مفصل في العلاقة الدقيقة التي تربط بين مخاطر أهداف التنمية المستدامة والأبعاد المحددة للمخاطر التجارية مثل المخاطر المالية أو المخاطر المتعلقة بالسمعة، ويمكن لتحليل دقيق كهذا أن يُمكّن الشركات من الحصول على أفكار قابلة للتنفيذ ومصممة خصيصًا لتناسب صناعتها المحددة أو نطاقها التشغيلي. ويمكن أيضًا أن يوفر فهمُ هذه الارتباطات عبر مستويات مختلفة، ابتداءً من المستويات المؤسسية المحلية وصولًا إلى المستويات العالمية،  رؤيةً أكثر شمولية للمشهد المعقد الخاص بمخاطر أهداف التنمية المستدامة والأهداف التجارية.

 

يذكر أن إدراك العلاقة بين مخاطر أهداف التنمية المستدامة والمخاطر التجارية وفهمها ومعالجتها أصبح أمرًا بالغ الأهمية، لا سيما أن أنظار العالم اليوم تتجه نحو المستقبل المستدام. ومن جهة أخرى، يعتبر هذا البحث منارة تساهم في إرشاد المؤسسات ذات الصلة في الطريق الصعب والمتداخل وتوفير خطة عمل لتحقيق مستقبل متوازن ومنسجم.