تمكن باحث من جامعة خليفة من تحديد 57 مؤشر حيوي للربو وذلك باستخدام التعلم الآلي، ليتمكن كل مريض من إدارة حالته المرضية ذاتيًا.
باحثو جامعة خليفة يعتمدون التعلم الآلي لتحديد المؤشرات الحيوية المحتملة لأمراض الجهاز التنفسي

يُعتبر الربو مشكلة تنفسية يؤثر على أكثر من 358 مليون شخص على مستوى العالم، كما أن مسبباته تشمل نطاق واسع  مثل الغبار وحبوب لقاح الأشجار وحتى الطقس وممارسة الرياضة، ويمكن أن تتصاعد أعراضه من مجرد السعال إلى النوبات المميتة. يعد الربو واحدًا من الأمراض غير المعدية الأكثر شيوعًا بين البالغين وأحد الأمراض المزمنة الأكثر شيوعًا بين الأطفال، ولكن على الرغم من تزايد الكشف عن روابطه الوراثية، إلّا أن الصورة الكاملة كانت ما تزال بعيدة المنال.

 

والآن، يتجه الباحثون إلى الميكروبات التي تتعايش مع الإنسان، وهو مجتمع يضم تريليونات الميكروبات ويشمل البكتيريا والفطريات وحتى الفيروسات التي تلعب أدوارًا محورية في صحة الإنسان وأمراضه. في حين أن معظم دراسات الميكروبات المتعايشة مع الإنسان تركز على القناة الهضمية، فإن الأبحاث الأحدث تكشف النقاب عن التأثير العميق للميكروبات التنفسية المتعايشة مع الإنسان. وقد أظهرت أمراض مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية ومرض الانسداد الرئوي المزمن روابط تتعلق بالتغيرات في هذه المجتمعات الميكروبية.

 

استخدم الدكتور محمد البطاينة، الدكتور المساعد في علم الأحياء الجزيئي وعلم الوراثة في جامعة خليفة، تقنيات التعلم الآلي المتقدمة لتوصيف الكائنات الحية الدقيقة في الجهاز التنفسي لدى مرضى الربو مقارنة بالأشخاص الأصحاء واستكشاف إمكانية استخدام مجهريات البقعة كمؤشر حيوي لتشخيص الربو والتنبؤ به. وجد بحث الدكتور البطاينة بالتعاون مع ريم سلمان وأيمن الزعاترة من الجامعة الأمريكية في الشارقة،  57 علامة ميكروبية يمكن استخدامها لتوصيف الاختلافات الملحوظة في تكوين مجهريات البقعة بين المصابين بالربو وأولئك الذين لا يعانون منه، ونُشرت نتائجهم في مجلة البيانات الضخمة، وهي واحدة من أفضل المجلات الأكاديمية للأبحاث في علوم الكمبيوتر. ويأمل فريق البحث أن يؤدي اكتشافهم لمجهريات البقعة الخاصة بالجهاز التنفسي والمرتبطة بالربو في عصر الطب الدقيق، إلى تطبيقات قيّمة للسيطرة ذاتيًا على الربو.

 

وقال الدكتور البطاينة: " في العديد من الدراسات، لطالما ارتبطت الاختلافات في التجمعات الميكروبية في المسالك الهوائية التنفسية بتشخيص الربو، فقد أظهرت الأعمال السابقة أن استخدام المضادات الحيوية في مرحلة مبكرة من الحياة يرتبط بتطور الربو في مرحلة الطفولة، في حين أظهرت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين ينشأون في بيئة ذات تنوع حيوي جزيئي عالي لديهم فرصة أقل بكثير للإصابة بالربو. نحن نعلم أن البيئات الميكروبية المتنوعة يمكن أن تعزز دراسة الأمراض في الأنسجة والخلايا البشرية تحت المجهر مما يؤدي إلى تقليل خطر الإصابة بالأمراض التأتبية وتحسين وظيفة الرئتين خاصة عند الأطفال.

 

في العقد الماضي، شق التعلم الآلي طريقه إلى الأبحاث الحيوية، حيث تم تحويل مجموعات البيانات الواسعة والمعقدة إلى أنماط مفهومة. وفي حين قد تتعذر فعالية الأساليب التقليدية في تحليل المجموعات الميكروبية، فإن خوارزميات التعلم الآلي تسبقها بأشواط، إذ أثبتت كفاءتها في الانتقال عبر أعداد كبيرة من البيانات عالية الأبعاد.

 

طبق فريق البحث تقنيات التعلم الآلي المتقدمة على مجموعة بيانات مكونة من 5853 وحدة تصنيفية تشغيلية - من الفئات الميكروبية - لـ 40 مريضًا لتحديد مجموعة من الوحدات التصنيفية التشغيلية الأكثر صلة. لم تكتفي النتائج التي حصلوا عليها بدعم البحث الذي يشير إلى أن اختلافات مجهريات البقعة في المسالك الهوائية التنفسية مرتبطة بتشخيص الربو فحسب، بل حددت أيضًا 57 علامة حيوية ميكروبية تتعلق بالتشخيص والاستراتيجيات العلاجية.

 

ولاحظوا أيضًا وجود اختلافات في الوفرة الميكروبية مع اختلاف الفئات العمرية. فأظهر مرضى الربو من الأطفال وفرة كبيرة في البكتيريا البروتينية، في حين كانت الشعب البكتيرية البروتينية الأخرى  بارزة بين مرضى الربو البالغين، مما يساعد على التشخيص.

وقال الدكتور البطاينة: "تظهر نتائجنا اختلاف كل من التكوين التصنيفي لمجهريات المنطقة الخاصة  بالجهاز التنفسي وتنوعها لكل من العينات السليمة والمصابة بالربو بشكل كبير، فقد لاحظنا أيضًا تنوعًا أكبر وأكثر ثراءً في الكائنات الحية الدقيقة في الجهاز التنفسي في العينات الصحية مقارنة بمرضى الربو."


وفي حين كشفت الدراسة عن الأنواع البكتيرية التنفسية الرئيسة المرتبطة بمرضى الربو وقدمت رؤى جديدة حول دورها في التسبب فيه، إلا أنه ما يزال هناك مجال للبحث المستقبلي، كما أدرك الفريق أن دراستهم استندت إلى عينة صغيرة نسبيًا ونوع محدد من العينات، مما يجعل من الصعب التمييز بين مجهريات المنطقة الخاصة في الجهاز التنفسي العلوي والسفلي، وأشاروا أيضًا إلى أن وجود مستعمرات بكتيرية محددة مثل الموراكسيلا، حيث يمكن أن يغير احتمالية الإصابة بالعدوى الفيروسية، وشددوا على الحاجة إلى مزيد من الدراسات قبل أن تصبح هذه المؤشرات الحيوية ملموسة.

يشكل عمل الدكتور البطاينة أساسًا للدراسات المستقبلية للتعمق أكثر في العلاقة بين الكائنات الحية الدقيقة في الجهاز التنفسي ودورها في أمراض مثل الربو. وقد ساعد دمج التعلم الآلي في عملية البحث على تحديد المؤشرات الحيوية المحتملة، والتي يمكن أن تمهد الطريق لاستراتيجيات علاجية جديدة تستهدف الميكروبات المتعايشة مع الإنسان أو أي من الأحياء الأخرى.