تتيح هذه الطريقة المبتكرة إمكانية التنقيب في مياه الصرف واستخراج الأيونات المعدنية الثمينة التي تتحول فيما بعد إلى منتجات قيّمة لتحقيق مستقبل أكثر استدامة
باحثون من جامعة خليفة يطورون عملية كهروكيميائية لتحويل مياه الصرف إلى مواد أكثر فائدة من أجل مستقبل أكثر استدامة

طور فريق بحثي يضم باحثين من كل من مركز الأغشية وتكنولوجيا المياه المتقدمة ومركز الفصل والتحفيز في جامعة خليفة، عملية كهروكيميائية مستدامة تهدف إلى استخراج الأيونات المعدنية من مياه الصرف وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة يمكن الاستفادة منها في تطبيقات تحويل الطاقة وحفظها.

ونشر الباحثون وهم، العالم الدكتور باراث غوفندان والباحث المشارك عبد الحي والدكتور رامبابو كرشنامورثي، زميل دكتوراه والدكتور محمد أبو الهيجا، أستاذ مشارك والأستاذ الدكتور فوزي بنات، رئيس قسم الهندسة الكيميائية، نتائج دراستهم في إصدار خاص للمجلة الدولية "ريسورسز، كونزيرفيشن آند ريسايكلنغ" المتخصصة بإدارة موارد الطاقة وحفظها.

قال الدكتور فوزي: "تشهد دولة الإمارات تطورًا متسارعًا نظرًا للتطور المتزايد والملحوظ في القطاع الصناعي. ونتيجة لذلك، تواجه الدولة تحديًا يتمثل في معالجة مياه الصرف التي تحتوي على كميات كبيرة من المواد الصلبة العالقة والمعادن المذابة وغيرها من الملوثات التي قد تسبب مشكلات صحية ومخاطر بيئية، حيث أصدرت مجموعة من القوانين والأنظمة الصارمة التي تضمن إدارة مياه الصرف بشكل آمن وفعال. وفي هذا الإطار، قام فريقنا البحثي بتطوير استراتيجية تهدف إلى استخراج الأيونات المعدنية التي يتم تحويلها فيما بعد إلى أقطاب كهربائية يمكن الاستفادة منها تجاريًا في قطاع الطاقة".

طور الفريق قطبًا كهربائيًا يمكن الاستفادة منه في مجال استخراج الأيونات المعدنية بشكل مستدام وإعادة استخدامها عن طريق صناعة التنقيب في مياه الصرف.، من خلال استخدام الكربون المنشط المشتق من أنوية التمر، التي تمثل فضلات شائعة ناتجة عن ثمار التمور في دولة الإمارات، ومركبات نيتروجينية  تُعرف بـ "البوليانيلين".

وأضاف الدكتور فوزي: "يساهم استخراج الأيونات المعدنية من مياه الصرف وإعادة استخدامها في ضمان طريقة آمنة بيئيًا لتصريف المخلفات السائلة واستكمال الطلب على المواد المعدنية في قطاع صناعة التعدين، خاصة أن المخلفات الناتجة عن استخراج المعادن باستخدام الأحماض تحتوي على أيونات معدنية سامة وحمضية تشكل خطرًا على الحياة المائية والبيئية. وفي هذا الصدد، يمكن أن توفر مخلفات الصرف مصدرًا ثمينًا للأيونات المعدنية التي يتم حفظها لتصنيع منتجات ذات قيمة، وفي نفس الوقت يُساهم ذلك  بعدم  تسبب هذه المخلفات بأي مشكلات بيئية".

عند تعرض الصخور المكونة من مواد كبريتية للهواء والماء، عادة ما يكون من خلال عمليات التعدين، فإنها تتأكسد وينتج عنها حمض الكبريتيك والحديد المذاب، كما يمكن أن يقوم هذا الحمض بإذابة مواد معدنية ثقيلة أخرى تشمل النحاس والزنك والرصاص الموجودة في الصخور المحيطة، والتي فيما بعد قد تسبب ضررًا بيئيًا كبيرًا في حال تم تصريف مخلفات المياه قبل معالجتها. وأشار الدكتور فوزي بشكل خاص إلى المجاري المائية التي تحتوي على تركيزات عالية من الحديد والنحاس والتي تؤثر على رائحة الماء ولونه وتوازن نسبة الأكسجين في المنظومة المائية، مما يؤدي إلى قتل الأسماك وغيرها من الكائنات الحية المائية.

لا تعد عملية استخراج الأيونات المعدنية من مياه الصرف طريقة جديدة، حيث وضعت العديد من الدول مجموعة من التنظيمات التي توضح الحدود المسموح بها لنسب المواد المعدنية الثقيلة في مجاري التصريف وهناك أيضًا مجموعة من التقنيات لمعالجة المخلفات السائلة التي تزيد عن المستويات المقبولة، إلا أن إعادة استخدام الأيونات المعدنية المستخرجة يبقى هو التحدي الرئيس.

تحتوي مياه الصرف على مزيج معقد من أيونات المعادن والمواد العضوية وملوثات أخرى، مما يجعل من الصعوبة استخراج أيونات المعادن وفصلها لإعادة استخدامها دون استخراج شوائب غير مرغوب فيها، كما يمكن أن تؤثر أيونات المعادن المتنوعة وغيرها من المواد على عملية الاستخراج وبالتالي يحد من فعاليتها. إضافة لذلك، تتطلب الأيونات المعدنية التي تم استخراجها باستخدام التقنيات التقليدية المزيد من عمليات المعالجة والتنقية قبل إعادة استخدامها، والذي يتطلب بدوره مزيدًا من الإجراءات الإضافية التي قد تكون معقدة وتستهلك موارد إضافية. 

ووفقًا لفريق الأستاذ الدكتور فوزي، تعتبر عملية إزالة الأيونات بالسعة (من خلال تطبيق فرق الجهد الكهربائي على قطبين) هي الحل.

تُعرف عملية إزالة الأيونات بالسعة بأنها تقنية كهروكيميائية تستخدم في مجال معالجة المياه، حيث يقوم مبدأ عملها على  الامتصاص الكهربائي للأيونات الموجودة على سطح الأقطاب الكهربائية. عند التأثير بجهد كهربائي على الأقطاب الكهربائية، تقوم الأقطاب الموجبة باستقطاب الأيونات السالبة وتقوم الأقطاب السالبة باستقطاب الأيونات الموجبة، حيث يتم بعد ذلك الامتصاص الكهربائي الذي تتراكم الأيونات من خلاله على سطح الأقطاب نتيجة القوى الكهروستاتيكية بين الأقطاب والأيونات. وتستمر تلك العملية حتى إيقاف المؤثر الكهربائي.  

وتتيح عملية إزالة الأيونات بالسعة إمكانية إزالة الأيونات من المياه دون اللجوء لإضافة المواد الكيميائية، الأمر الذي يجعلها تكنولوجيا واعدة في مجال تحلية المياه وتعيمها وتنقيتها.

وأشار الدكتور فوزي إلى أهمية فصل الأيونات المعدنية الثمينة من مياه الصرف وقدرتها على تحويل الفضلات إلى مواد قيمة إلا أن ذلك ليس سهلًا. لذلك، قرر الفريق تطوير قطب كهربائي جديد يتميز بطبقة كهربائية مزدوجة لتسهيل عملية إزالة الأيونات بالسعة .

من ناحية أخرى، تحظى المادة القطبية النموذجية المستخدمة في تطبيقات إزالة الأيونات بالسعة بالعديد من الخصائص، حيث يجب أن تتمتع بمساحة سطحية كبيرة مخصصة لامتصاص الأيونات وأن تظهر قدرات عالية في الامتصاص، أي يمكنها استقطاب كمية كبيرة من الأيونات الموجودة في المياه والاحتفاظ بها وأن توفر قدرات حركية سريعة في الامتصاص الكهربائي لتحقيق الكفاءة والفعالية في إزالة الأيونات وضمان انتقال الشحنات بشكل سريع والاستقرار الكيميائي الذي يساهم في تحمل الظروف والمحافظة على فعالية الأداء مع مرور الوقت.

وتلبي المواد الكربونية، ومنها المواد الكربونية المنشطة بالنيتروجين، مجموعة واسعة من تلك المتطلبات، حيث تساهم المواد الكربونية المنشطة بالنيتروجين في تعزيز أداء عملية
إزالة الأيونات بالسعة من خلال العديد من الآليات التي تعزز عمليات انتقال الشحنات وتسهيل تراكم الشحنات والوصول إلى الأيونات العميقة.

تم استخدام مصادر النيتروجين مثل الأمونيا وحمض النتريك والبوليانيلين لتصنيع مواد الكربون المنشّطة بالنيتروجين وبالتالي الاستفادة منها في تطبيقات عملية إزالة الأيونات بالسعة حيث يحتوي البوليانيلين بشكل خاص على المجموعات الكيميائية الوظيفية (الأمين والإمين) اللتان تعززان بشكل كبير الامتصاص الكهروكيميائي لأيونات المعادن في مياه الصرف الصحي.

إضافة لذلك، استعان الباحثون من مركز الأغشية وتكنولوجيا المياه المتقدمة ومركز الفصل والتحفيز في جامعة خليفة بمادة تُعرف بالكربون المنشّط المُستمد من بذور التمر المغطاة بمادة البوليانيلين. وتُعتبر هذه البذور مخلفات ثانوية ناتجة عن صناعة ثمار التمور التي ينشأ عنها في كثير من الأحيان كميات كبيرة من المخلفات، وتساهم الاستفادة من هذه البذور كمادة خام للكربون المنشّط في الحد من كمية المخلفات وتعزيز إدارة الموارد المستدامة.

هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا الفريق البحثي بذور التمر لإنتاج الكربون المنشّط، حيث قاموا في بحوثهم السابقة باستخدام بذور التمر لتحويل مادة الفورفورال إلى حمض الفورويك وكحول الفورفورال من خلال عملية الهدرجة. وبما أن بذور التمر متوفرة بكميات كبيرة في دولة الإمارات، قام الباحثون في جامعة خليفة بجمعها وتحويلها إلى مسحوق دقيق ثم تجفيفها وتسخينها لإنتاج الكربون النشط. .

يتميز استخدام بذور التمر بأنه آمن على البيئة ويتميز الكربون الناتج عنه بمسامية عالية، الأمر الذي يوفر مساحة سطحية كبيرة لعمليات الامتصاص وبالتالي يجعلها مادة مناسبة لتطبيقات إزالة الملوثات من مياه الصرف، كما يتمتع الكربون النشط المُستمد من بذور التمر بقدرة جيدة على امتصاص أيونات المعادن بشكل خاص.

يعد استكشاف الكربون المنشّط بالبوليانيلين، والمُحضّر بشكل طبيعي لإزالة أيونات المعادن باستخدام تقنية إزالة الأيونات بالسعة تكنولوجيا واعدة مستقبلًا خاصة أنها ذات تكلفة اقتصادية منخفضة وذات خصائص هيكلية متميزة.

يذكر أن الفريق البحثي لديه المزيد من المشاريع البحثية هذا المجال، بدءًا من البحوث المتخصصة بمختلف أنواع الأقطاب الكهربائية الكربونية لإزالة الأيونات بالسعة والدراسات التي تركز على تقييم إمكانات تطوير العملية بهدف الاستفادة منها في التطبيقات الصناعية  في مجال إزالة الأيونات المعدنية.