باحثون في جامعة خليفة يطورون جهازاً يحاكي دماغ الإنسان

ركز علماء الكمبيوتر منذ زمن بعيد على دماغ الإنسان وكيفية عمله بهدف تصميم جهاز كمبيوتر يقوم بحفظ المعلومات واسترجاعها وقت الحاجة ومعالجتها بفعالية تماماً كما العقل البشري. وقد يكون الـ"ميمريستور"، وهي اختصار للكلمتين المقاومة والذاكرة باللغة الإنجليزية، الوسيلة الأساسية لتصميم جهاز كمبيوتر يتميز بقدرته على معالجة المعلومات بطريقة تحاكي الخلايا العصبية في عقل الإنسان من خلال توفير شبكة عصبية فعالة.

وفي هذا الإطار، طور فريق بحثي من جامعة خليفة شكلاً جديداً لجهاز الميمريستور يسمى "نيروميم" والذي سيعمل على توسيع نطاق التطبيقات المتعلقة بمقاوِمات الذاكرة ليجعلها تكنولوجيات إلكترونية مرنة يمكن ارتداؤها تماماً كالأجهزة الذكية. ونشر الفريق البحثي الذي ضم الدكتور بكر محمد، الأستاذ المشارك في الهندسة الإلكترونية وعلوم الكمبيوتر ومدير مركز الأنظمة الدقيقة والباحثة الدكتورة هبة أبو نهلة والدكتورة ياسمين حلواني، باحثة دكتوراه والدكتور أنس العزام، الأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية، نتائج بحثهم في المجلة العلمية "سايانتيفيك ريبورتس" مؤخراً.

ويمتاز جهاز الميمريستور، والذي يتكون من أكسيد المعدن الموضوع بين قطبين كهربائيين، بقدرته على تغيير مقاومته في التطبيق المزود بفولتية مناسبة، كما يمكنه تذكر آخر حالة تم كتابتها وإن لم يكن مزوداً بمصدر طاقة، مما يتيح إمكانية الاستفادة منه على نطاق واسع كذاكرة كمبيوتر صلبة.

وتتطلب أجهزة الميمريستور مقدار طاقة تشغيلية أقل من نظيراتها التقليدية وتدوم لفترة أطول، كما أنها تقوم بتخزين ضعف كمية البيانات التي تخزنها تكنولوجيات الذاكرة الصلبة الأخرى. وتعتمد أجهزة الميمريستور على هياكل هندسية مماثلة لتركيب دماغ الإنسان تتيح إمكانية حوسبة العمليات داخل الذاكرة، والذي يساهم بدوره في إيجاد الحل لمشكلة كبيرة تتعلق بالهياكل الهندسية التقليدية لأجهزة الكمبيوتر والتي تُعرف باسم (جدار الذاكرة). ويتمثل الحل الذي توصل إليه الباحثون في إلغاء الحاجة لنقل البيانات من الذاكرة إلى وحدة المعالجة للقيام بالوظائف الحوسبية واستبداله بالجمع بين وظيفتي الذاكرة وعمليات الحوسبة والذي يحاكي تماماً آلية عمل دماغ الإنسان.

وتحظى أجهزة الكمبيوتر التقليدية بوحدتي تخزين الذاكرة والمعالجة بشكل منفصل، في حين يعتمد دماغ الإنسان على الخلايا العصبية في أداء تلك الوظيفتين. من ناحية أخرى، تتمتع أجهزة الميمريستور ذات الخصائص الفريدة من نوعها بالقدرة على معالجة البيانات وحفظها في الذاكرة نفسها، من خلال الاستفادة من آلية عمل النواقل العصبية، والتي تربط خلية عصبية بخلية عصبية أخرى داخل الدماغ بهدف نقل المعلومات.

ويتميز الميمريستور بمقدار مقاومة يعتمد على شدة الفولتية التي تؤثر به، وذلك على نقيض العديد من أجهزة الريزستور الكهربائية ذات مقدار مقاومة ثابت، مما يعني أن مقاومة الميمريستور تتزايد وتتناقص وفقاً لكمية الفولتية التي يتلقاها، فهو يقوم على دمج التيار الكهربائي الذي يؤثر فيه بمرور الوقت. لذلك، تعتبر الخصائص الكهربائية للمادة المستخدمة أمراً في غاية الأهمية، حيث لا بد من أن تتوفر فيها إمكانية تغيير حالة المقاومة وفقاً لمقدرا الفولتية.

طور فريق جامعة خليفة البحثي جهاز "النيروميم" بالاستعانة بمادة الغرافين، وهي مادة تشتهر بخصائصها الكهربائية المتقدمة.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور بكر: "تستخدم العديد من أكاسيد المعادن كوسيلة تحكم في أجهزة الميمريستور ولكن عدد قليل من الباحثين الذين قاموا بدراسة أهمية الاستفادة من الغرافين أو أكسيد الغرافين كأقطاب كهربائية أو مواد تحكم، حيث يساهم استخدام أكسيد الغرافين في الميمريستور بتحسين أداء الجهاز وقدرته التحكمية. ويعتبر الجهاز الذي طورناه الأول من نوعه في توفير مقاومة تتوافق مع مقدار الطاقة التي تؤثر به".

وتدخل مادة الغرافين في مجموعة كبيرة من التطبيقات لما تمتاز به من خصائص تشمل المرونة وتكفلته الاقتصادية وسهولة التحكم به، إضافة لكونه آمناً على البيئة.لذلك، يمكن للباحثين استخدام أكسيد الغرافين في صناعة النيروميم من خلال عمليات التصنيع الدقيق والذي يجعل النيروميم سهل التصنيع وقابل للتطوير والإنتاج بكميات كبيرة وبتكلفة اقتصادية.

وتساهم المرونة التي يحظى بها جهاز النيروميم في سهولة دمجها بالأجهزة الإلكترونية التي تتطلب بناء دوائر كهربائية على أسطح بوليمرية مرنة للاستفادة منه في مختلف التطبيقات التي تضم الأجهزة الذكية التي يمكن ارتداؤها والتي تقوم بشكل أساسي على الذاكرة المرنة والأنظمة الذكية.

وفي الوقت الحالي، تسعى العديد من الجهود إلى استخدام أجهزة الميمريستور في رقاقات أجهزة الكمبيوتر المصممة بطريقة تحاكي الدماغ. فمن خلال الجمع بين الوظيفة والمرونة وقابلية تطوير المواد الغرافينية، يسهل تطوير جيل جديد من الأجهزة الذكية ذات فعالية ولا تستهلك كماً كبيراً من الطاقة.

يُذكر أن ابتكار فريق جامعة خليفة البحثي يتمثل في تطوير الميمريستور الذي يمتاز بسلوك تناظري من خلال شبكة عصبية مكونة من منظومة خوارزمية ذكية. وأكد الباحثون كذلك على إمكانية الاستفادة من هذه التكنولوجيا في الشبكات العصبية المجهزة مسبقاً لأداء عمليات الحوسبة.