بحث الفريق في الدور الذي يلعبه التوزيع الأفقي والعمودي للعناصر الغذائية كاستجابة موسمية للتيارات المتصاعدة في المنطقة المعنية بالدراسة
فريق بحثي من جامعة خليفة يكشف عن ديناميكيات العناصر الغذائية والتيارات المتصاعدة في الخليج العربي وبحر عُمان

استعانت كل من الدكتورة مريم الشحي، أستاذة مساعدة وطالبة الماجستير كلثم عباس إسماعيل وكلاهما من قسم هندسة البنية التحتية المدنية والبيئية في جامعة خليفة، بمجموعة من البيانات حصلتا عليها من أطلس محيطات العالم 2018 وبعض التقديرات المتعلقة بالتيارات المتصاعدة الساحلية في منطقتي الخليج العربي وبحر عُمان بهدف تحديد التوزيع العمودي والأفقي لثلاث مواد غذائية هامة والتعرف إلى طريقة استجابة هذه المواد للتيارات المتصاعدة بشكل موسمي.

وقد تمكن الفريق البحثي من نشر نتائج دراسته في المجلة الدولية "بلوس ون" وهي مجلة علمية رائدة تغطي البحوث المتخصصة في مجالات العلوم والطب.

تُعرف التيارات المتصاعدة بأنها العمليات التي ترتفع فيها المياه العميقة الباردة نحو سطح الأرض، وتحدث هذه الظاهرة في المحيطات المفتوحة والمناطق الساحلية نظرًا لوجود الرياح التي تمر عبر سطح المحيط وتدفع بالمياه بعيدًا لتحل مكانها مياه قادمة من تحت سطح الأرض ترتفع نحو الأعلى. وتتميز المياه الناجمة عن التيار التصاعدي ببرودتها واحتوائها على العناصر الغذائية التي تساهم بدورها بتسميد المياه السطحية وبالتالي زيادة الإنتاجية الحيوية.

ساهمت البحوث القليلة في مجال العناصر الغذائية ومصادرها الموجودة في الخليج العربي في تشجيع الباحثين على دراسة هذا الموضوع، حيث قاموا بتحليل التباين المكاني والزماني لعنصر النترات والفوسفات والسيليكات في منطقة الخليج العربي وبحر عمان ودراسة أثر التيارات التصاعدية الموسمية في توزيع العناصر الغذائية.

توصل الباحثون إلى احتواء سطح  بحر عمان ومياهه العميقة على 80% من العناصر الغذائية وهي نسبة تفوق نظيرتها في منطقة الخليج العربي. ويعتبر متوسط تركيز العناصر الغذائية على السطح في كل من بحر عمان والخليج العربي في فصل الشتاء أعلى منه في فصل الصيف باستثناء عنصر النترات الذي شهد انخفضًا كبيرًا بنسب تركيزه في فصلي الصيف والشتاء في منطقة الخليج العربي.

من جانبها، قالت الدكتورة مريم: "لاحظنا في الجزء الجنوبي من منطقة الخليج العربي، وعلى امتداد ساحل دولة الإمارات بشكل خاص، وجود نسب عالية من الفوسفات، وتتوافق هذه المستويات مع بعضها خلال الفصلين، إلا أننا لاحظنا وجود نسب أعلى في بحر عمان. ويُعزى وجود مستويات أعلى في فصل الشتاء منها في الصيف إلى ارتفاع نسبة عنصر الفوسفات في المياه المتدفقة من بحر عمان إلى الخليج العربي خلال أشهر الصيف".

يعتبر انتقال الفوسفات من جهة مائية إلى جهة مائية أخرى مثالًا على التوزيع الأفقي للعناصر الغذائية التي تستجيب للمؤثرات الموسمية في الخليج العربي وبحر عمان. وكما هو الحال في عنصر الفوسفات، أظهر لنا عنصر السيليكا الموجود على السطح تباينًا موسميًا واضحًا في الخليج العربي ويرتفع هذا التباين في بحر عمان خلال فصل الشتاء.

وفي هذا الصدد، حدد الباحثون منطقتين تشهدان حدوث التيارات التصاعدية بشكل كبير أولهما تقع في الخليج العربي على امتداد السواحل الإيرانية وتقع الثانية في خليج عمان على امتداد السواحل الجنوبية الشرقية والسواحل الشمالية الغربية. وقد تمت ملاحظة أقوى منطقة للتيار التصاعدي  في بحر عمان، وهو ما يعزز حقيقة احتواء هذه المياه على كمية كبيرة جدًا من العناصر الغذائية نظرًا للانتقال العمودي للعناصر الغذائية نحو المياه العميقة. ومن جهة أخرى، أبدى الخليج العربي تباينًا عموديًا طفيفًا بسبب مياهه السطحية نسبيًا وضعف التيارات التصاعدية.

ويواصل تغير المناخ تأثيره على جميع العمليات الطبيعية في كوكب الأرض. لذلك، يعد الفهم الشامل لديناميكيات المحيطات أمرًا في غاية الأهمية في مجال التنبؤ بتلك التغيرات.

ومن ناحية أخرى، تتوزع المواد الغذائية كبيرة الحجم والدقيقة اللازمة لعملية التمثيل الضوئي في الكائنات الحية بكميات متفاوتة، حيث يحظى المحيط الجنوبي بأعلى كمية من العناصر الغذائية الكبيرة، في حين يحتوي المحيط القطبي الشمالي على كميات كبيرة من العناصر الغذائية الدقيقة الناتجة عن جريان الأنهار والغبار الرواسب المتراكمة في المياه الساحلية الضحلة.

وأضافت الدكتورة مريم: "يتميز الخليج العربي بمنظومة بحرية مزدحمة بالسكان على امتداد ساحله، وتعني الزيادة السكانية المزيد من مياه الصرف المعالجة من المناطق السكنية والصناعية والتي يتم تصريفها في الخليج، الأمر الذي يساهم في زيادة تركيز العناصر الغذائية في مياه البحر وهي ظاهرة يُطلق عليها اسم (الإثراء الغذائي)".

وعلى الرغم من أن الزيادة في كميات العناصر الغذائية قد تبدو أمرًا هامًا بالنسبة للمنظومة البيئية، إلا أنها دخول كميات غذاء زائدة عن الحاجة إلى البيئة يعزز نمو الطحالب، فيما تساهم المياه منقوصة الأكسجين في قتل الأسماك وموت الأعشاب البحرية. إضافة لذلك، يعمل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن تحلل المواد النباتية على زيادة نسبة الحموضة في المياه وبالتالي الحد من عمليات نمو الأسماك والمحار. ويشكل الإثراء الغذائي عاملًا قد يسبب الضرر في حياة الإنسان من خلال تدني معدلات الصيد التجاري والترفيهي الذي قد يؤدي لاحقًا إلى انخفاض مستويات إنتاج المأكولات البحرية وارتفاع تكلفتها الاقتصادية.

يذكر أن الفهم الشامل لديناميكيات العناصر الغذائية في الخليج العربي تمكننا من التعرف إلى أضرار تفريغ مياه الصرف في البحار، حيث تمكن الباحثون من حماية المصادر البحرية من خلال دراسة المتغيرات الأفقية والعمودية.