يرى ضرورة تركيز السياسات الرامية لمعالجة انخفاض السكان على التحديات المؤسسية المرتبطة بالشيخوخة السكانية ودعم القدرة الإنجابية
باحث من جامعة خليفة يطرح بالتعاون مع باحثين دوليين وجهات نظر جديدة في انخفاض معدلات الولادة ويناقش أسباب عدم فعالية الحلول البسيطة

يصعب تخيل أن معظم دول العالم تشهد انخفاضًا في عدد السكان، لا سيما مع وصول عدد سكان العالم لـ 8 مليارات نسمة، لكن في الحقيقة تعاني العديد من الدول في مختلف أنحاء العالم من انخفاض في معدلات الولادة وقد لا يتم التجاوب مع هذه المشكلة بالطريقة الصحيحة من قبل سياسات الدول المعنية.

وفي هذا الإطار، توصل الأستاذ الدكتور ستوارت جيتل باستن من جامعة خليفة، إلى جانب باحثين من المعهد الفنلندي للبحوث السكانية ومعهد فيينا للدراسات السكانية، إلى وجود علاقة بين انخفاض معدلات الولادة والشيخوخة السكانية والركود السكاني واعتبار ذلك أمرًا في غاية الأهمية في جميع أنحاء دول العالم. ويشير الدكتور ستورات إلى أن بعض الحكومات تساهم في وضع السياسات كردة فعل لتلك المسألة بهدف حل المشكلة، بدلًا من معالجة مجموعة التحديات المؤسسية المرتبطة بالشيخوخة والركود السكاني.

 ونشر الباحثون هذه الدراسة التحليلية في المجلة الدولية المرموقة "بريتش ميديكال جيرنال" التي تعتبر واحدة من أقدم المجلات الطبية في العالم وتُعنى بنشر المعرفة الطبية بين الأفراد.

من جانبه، قال الدكتور ستوارت: "يشير انخفاض معدلات المواليد في العديد من دول أوروبا وآسيا والأمريكتين في العقد الماضي إلى وجود مشكلة عالمية، حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم في دول ذات معدل خصوبة إجمالي أقل من طفلين للمرأة الواحدة. ففي كوريا الجنوبية، انخفض معدل الخصوبة ليصل إلى 0.81 طفل لكل امرأة في العام 2021، الأمر الذي يعتبر انخفاضًا غير مسبوق في أية دولة في حالة السلم. وقد تلعب أيضًا مجموعة العوامل، والتي تشمل الظروف الصعبة والأزمات التي صاحبت جائحة كوفيد-19 والمناخ السياسي الجغرافي وتغير المناخ، دورًا هامًا في الحد من معدلات الخصوبة".

يؤدي انخفاض معدلات الخصوبة مصحوبة بزيادة في متوسط العمر المتوقع إلى الشيخوخة السكانية التي ينتج عنها عدد من المخاطر الاقتصادية كارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وانخفاض نسبة القوى العاملة العالمية.

وأضاف الدكتور ستورات: "يشكل انخفاض معدلات المواليد، وهو العامل الرئيس المسبب للشيخوخة السكانية، خطرًا على منظومة الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية والاقتصاد. وفي هذا الإطار، سعت العديد من الحكومات إلى إيجاد حل سكاني عن طريق وضع سياسات ذات أهداف محددة للتشجيع على الإنجاب، وذلك بدلًا من إصلاح الأنظمة من خلال التعديل على سن التقاعد وزيادة الضرائب".

توجد العديد من النظريات التي تفسر أسباب انخفاض معدلات الولادة منها تمكين المرأة وزيادة الأعباء الاقتصادية المترتبة على إنجاب الأطفال حيث أثبتت بعض البحوث أن ارتفاع معدلات التعليم عند السيدات ووجودهن في سوق العمل يرتبط بشكل كبير بانخفاض معدلات الخصوبة نتيجة الاستعانة بوسائل منع الحمل.

وتشير البحوث كذلك إلى زيادة رغبة الأفراد في الدول التي تعاني من انخفاض معدلات الخصوبة بإنجاب الأطفال، لذلك قامت الحكومات بوضع سياسات إصلاحية سريعة لكن يري الدكتور ستوارت أنه يجب على تلك الحكومات أن تتبع المبادئ التي وُضعت في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 1994 لتحقيق استجابة مستدامة لانخفاض معدلات الإنجاب.

وقال الدكتور ستورات: "أكد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 1994 على أهمية التغير السكاني المستدام في تشكيل الاقتصاد الكلي، حيث يمثل برنامجه نقلة نوعية تجسدت في التركيز على دور الصحة الإنجابية والمساواة في النوع الاجتماعي والمصلحة الفردية أكثر من تركيزها على حاجات الحكومات والأهداف السكانية. ولا تزال هذه المبادئ الأساسية سارية المفعول حتى اليوم، ويجب أن يدرك الأفراد أهدافهم في الإنجاب انطلاقًا من مبادئ حقوق الإنسان وكرامته والمساواة الاجتماعية".

وأشار الباحثون إلى أن اتّباع العديد من الدول للسياسات التي تشجع على الإنجاب لتحفيز النساء على إنجاب المزيد من الأطفال، ويشمل ذلك تقديم مكافأة للمواليد الجدد كما هو الحال في سنغافورة التي تقدم منحة مادية للأزواج الذين لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر. وتساهم هنغاريا أيضًا في تقديم قروض بدون فوائد للأزواج الذين لديهم أطفال، وفي روسيا تقدم الدولة للأمهات ذوات طفلين أو أكثر ما يسمى بـ"استحقاق الأمومة" الذي يُصرف لهن مرة واحدة.

ويرى الباحثون أن سياسات التشجيع على الإنجاب تتجاهل العوامل الاقتصادية الاجتماعية التي تلعب دورًا بارزًا في دولهم، فإذا انتقل الأفراد المولودون نتيجة سياسات تشجيع الإنجاب للعمل في مكان آخر، فإن ذلك يؤثر على صافي التعداد السكاني الذي حينها سيساوي صفرًا.

وتمثل الفجوة ما بين تطلعات الأفراد لزيادة الإنجاب وحجم العائلة الفعلي خللًا اقتصاديًا واجتماعيًا، ويؤكد الباحثون على ضرورة وجود السياسات التي تدعم دور الأزواج في تربية الأطفال من خلال توفير المساهمات المالية التي تحد من حالات العَوَز والفقر عند الأسر  التي لديها أطفال.

وأضاف الدكتور ستورات: "تعتبر سياسات الإنجاب مناسبة للأسر إذا تماشت مع حقوق الإنسان وحقوق الإنجاب وإذا تم تقديم الدعم للأسر لتعزيز جودة حياتها الاجتماعية والاقتصادية. من ناحية أخرى، يجب على الدول منح الأولوية للمبادرات التي تشجع الإنجاب من خلال تزويد الشباب والشابات بالمهارات والخدمات اللازمة وتطوير الخدمات الطبية والتعليمية التي تلبي رغبات الأسر واحتياجاتهم".

شدد الباحثون على أهمية اتّباع السياسات التي تساهم في معالجة القضايا الاجتماعية الرئيسة والتي تتضمن الإصلاح العاجل لمنظومتي الرعاية الصحية والاجتماعية.