يعتمد الجهاز على التحليل الطيفي لأشعة تيراهيرتز التي تساهم في الكشف عن المركبات الحيوية في الجسم والناتجة عن تلف الأعضاء بسبب العلاجات الكيميائية
باحثون من جامعة خليفة وآخرون دوليون يبتكرون جهازًا جديدًا للتعرف إلى الأضرار التي يسببها العلاج الكيميائي لمرضى السرطان

قام فريق بحثي، ضم الأستاذ الدكتور ماورو بيرييرا من قسم الفيزياء في جامعة خليفة، بتطوير جهاز  قادر على كشف التلف الذي قد يصيب الكلى عند المريض لحظة تلقيه العلاج الكيميائي، أي قبل التشخيص السريري لتلف العضو  بمدة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أشهر.

ضم الفريق البحثي أيضًا باحثين من جامعة لوباتشيفسكي الحكومية في روسيا ومعهد فيزياء الأنظمة الدقيقة في روسيا وجامعة مونبلييه وأكاديمية التشيك للعلوم. وقد تم نشر نتائجهم البحثية في المجلة العلمية الدولية "ساينتيفك ريبورتس" التي تغطي جميع مجالات العلوم الطبيعية.

يُستخدم العلاج الكيميائي القائم على البلاتين لمعالجة مجموعة متنوعة من أمراض السرطان كسرطانات الرئة والثدي والمبيض والقولون، حيث تساهم مركبات البلاتين في إتلاف الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين "دي إن إيه" داخل الخلايا السرطانية لإيقاف انتشارها، إلا أنه تظهر  في معظم الأحيان بعض المضاعفات الجانبية الخطرة على المريض كنتيجة للعلاج.

وقد تؤدي جميع العلاجات الكيميائية السامة للخلايا، بما في ذلك الأدوية التي تحتوي على البلاتين، إلى العديد من الأثار الجانبية الشديدة نظرًا لضعفها في القدرة على التمييز بين الأنسجة المسرطنة والأنسجة الطبيعية، حيث تسبب العلاجات التي تتلف الكلى ما يعرف بـ (التسمم الكلوي)، أما العلاجات التي تتلف الكبد فتؤدي إلى ما يسمى بـ (التسمم الكبدي). وفي هذا الصدد، يمكن للأشعة الضوئية "تيراهيرتز" أن تلعب دورًا هامًا في الكشف المبكر عن تلف الأعضاء.

تشهد ضوئيات التيراهيرتز تطورًا سريعًا في الفترة الأخيرة بفضل زيادة وفرة المواد الجديدة والمصادر والأدوات الكاشفة.

قال الدكتور ماورو: "ركزنا في دراستنا على أحد الجوانب الواعدة والتي يمكن أن تصبح تطبيقاته من التطبيقات الأكثر فعالية مستقبلًا وهو الأيضية والتي تعتبر دراسة منهجية للمركبات الكيميائية الناتجة عن عمليات الأيض في الخلايا".

ترتبط النواتج الأيضية ونسب تركيزها بشكل مباشر مع التفاعلات الكيميائية الحيوية وحالة الخلايا والأنسجة والأعضاء، مما يوفر الفرصة لتطوير تقنيات جديدة في مجال التشخيص وتحديدًا تحليل المركبات الكيميائية الناتجة عن عملية الزفير والسوائل الحيوية كالدم واللعاب والبول التي يمكن من خلالها الحصول على معلومات هامة حول الأمراض.

وفي هذا الإطار، توصل الفريق البحثي إلى مجموعة من المركبات العضوية أو ما يُعرف بـ (النتريل) التي تظهر بعد عمليات العلاج الكيميائي وتزداد كميتها كنتيجة للتلف الكيميائي الحيوي في الكبد عقب العلاج الكيميائي البلاتيني. ولا يمكن الكشف عن تلف الأعضاء في الجسم بشكل فوري بعد العلاج بالاستعانة بالوسائل الطبية المتوفرة في الوقت الحالي، لكن يمكن أن نضع مادة النتريل تحت الفحوصات المنهجية واسعة النطاق لتكون خيارًا فعالًا للكشف عن التسمم الكلوي في مراحل مبكرة من العلاج.

ساهم الباحثون، بالاستعانة بأشعة تيراهيرتز ، بتتبع الضرر الواقع على الكبد والكلى خلال عملية معالجة السرطان عن طريق رصد مستويات مركبات النتريل في بول المريض.

تقتصر التقنيات الطبية المتاحة في الوقت الحاضر والمستخدمة في المستشفيات على الأساليب المختبرية المعيارية كفحوصات الدم الكيميائية الحيوية وتحليل البول الطبي التي تكشف فقط عن الفشل الوظيفي في العضو ولا تكشف عن الآثار الجانبية الخطرة التي تحدث في بداية عملية العلاج.

وأضاف الدكتور ماورو: "يعتبر الكشف عن إشارات الفشل الكلوي في المراحل الأولية من العلاج الكيميائي البلاتيني أمرًا نادرًا، حيث تظهر التغيرات في المعايير الكيميائية الحيوية بعد فترة تتراوح من 4 إلى 6 مراحل علاجية أو من 4 إلى 6 أشهر بعد البدء بالعلاج".

وبذلك يكون قد فات الأوان وأصبح من الصعب التدخل في وقف أي فشل في الأعضاء، الأمر الذي دعا الفريق البحثي إلى تطوير جهاز استشعار قادر على تفسير الإشارات التي تنذر بوجود تلف في أنسجة الكبد بشكل فوري بعد تعرض المريض  للعلاج الكيميائي وقبل ظهور أية أعراض سريرية.

اعتمد الباحثون على تقنية التحليل الطيفي لأشعة تيراهيرتز التي يمكن تطبيقها على الغازات والسوائل والمواد الصلبة لفحص المركبات الحيوية فيها.

قال الدكتور ماورو: "يتيح استخدام تقنية التيراهيرتز  التحليل بأربعة معدلات تردد مختلفة تساهم في تقييم مجموعة واسعة من المواد السائلة. ونهدف من خلال هذا المشروع إلى تطوير تقنية قياسية طيفية متخصصة، حيث يتميز جهازنا بفعالية كبيرة لكنه يعتمد على مجموعة معقدة من المكونات التي تحد من إمكانية التحكم بالترددات وتساهم في رفع التكلفة الاقتصادية  وزيادة استهلاك الطاقة. وعلى الرغم من ذلك، توجد إمكانية كبيرة لتحسين فعالية جهازنا الذي يمهد الطريق أمام تحليل مجموعة واسعة النطاق من السوائل الأخرى التي لا يمكن تحليلها بالمصادر المتوفرة حاليًا".