تشير الأبحاث إلى أن هذا الجزء من الدماغ مسؤولٌ عن فهم الأحداث التي تدور حولنا
باحث من جامعة خليفة يطور نموذجًا يوضح آلية عمل منطقة التلفيف الزاوي المعنية بالإبداع والمفاهيم المجردة في الدماغ

تعتبر منطقة التلفيف الزاوي، التي ترتبط بالإبداع والمفاهيم المجردة، جزءًا من الدماغ وتتوفر عند الإنسان والقردة فقط، وتشير البحوث إلى أن دورها يتضمن بشكل رئيس نقل المعلومات البصرية إلى أجزاء أخرى من الدماغ لمعالجتها وتفسيرها، خاصة الأمور المتعلقة باللغة ومعالجة الأرقام والإدراك المكاني والاجتماعي والذاكرة والانتباه.  

وفي هذا الإطار، اطّلع الدكتور محمد صغير، أستاذ في قسم الهندسة الطبية الحيوية، على جميع البحوث والمؤلفات العلمية المتوفرة حاليًا والتي تركز على طبيعة الدور الذي يقوم جزء التلفيف الزاوي في الدماغ وآلية عمله في منحنا القدرة على فهم الأحداث التي تدور حولنا، حيث استفاد الدكتور محمد من النتائج التي خرج بها في تطوير نموذج موحد قادر على توضيح العمليات التي يقوم بها ذلك الجزء من الدماغ بشكل مفصل. وساهمت نتائج الدكتور محمد أيضًا في وضع التقييمات للأدلة الناتجة عن مختلف الطرق البحثية بهدف تحديد وظائف التلفيف الزاوي على مستوى جزء من الثانية وتم نشر النتائج في المجلة الدولية "برين ستركتشر آند فنكشن".

قال الدكتور محمد: "تنخرط الأدوار المتنوعة للتلفيف الزاوي في الدماغ بمجموعة تفاعلات ديناميكية معقدة فيما بينها وفي العديد من الشبكات الدماغية بنطاقات متفاوتة، فهو الجزء الذي يكوّن المعنى للأشياء في سياقها وفقًا لمعارف سابقة، كما يلعب هذا الجزء من الدماغ دورًا محوريًا في الذاكرة العرضية والدلالية بفضل قدرته على دمج أشكال مختلفة من المعلومات بشكل ديناميكي، وبالتالي بروزه كمنطقة هامة للإدراك الاجتماعي".  

ولنتمكن من فهم آلية أدوار التلفيف الزاوي، كغيره من أجزاء الدماغ الأخرى، يجب التعرف إلى طرق وأساليب دراسة الدماغ بشكل معمق.

تكمن المشكلة الأولى لفهم الدماغ في صعوبة الحصول على صورة متكاملة لما يحدث داخله، فاستخدام تكنولوجيا التصوير العصبي لتسجيل نشاط الدماغ ساهم فقط في تحديد أجزاء معينة من الدماغ وتكبير صورها بمستويات مختلفة.

وفي سياق آخر، تمكنت الدراسات القائمة على تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي من توفير معلومات قيّمة تتعلق بوظيفة التلفيف الزاوي نتيجة قدرة هذه التقنية على تحديد موقع نشاط الدماغ خلال سلوك معين. إضافة لذلك، يمكن للباحثين من خلال الضوء الصادر عن تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تحديد أدوار التلفيف الزاوي بشكل دقيق والتي تتفاوت ما بين التحفيز والمهام والسياق، ولكن قد لا توفر هذه الطريقة  التحليل الزمني الدقيق اللازم لإظهار نشاط الدماغ على مستوى جزء من الثانية.

لذلك، ركزت ورقة الدكتور محمد على المؤلفات العلمية في هذا المجال لتحديد الزمن الذي يقوم فيه التلفيف الزاوي بالانخراط في العديد من العمليات الدماغية المختلفة.

وأضاف الدكتور محمد: "توصلت من خلال مراجعة البحوث الأخرى إلى وجود اختلاف في الأطر الزمنية في العمليات التي يقوم بها التلفيف الزاوي على نطاق واسع من المجالات، والذي يعني اختلاف العمليات التي يقوم بها التلفيف الزاوي في أوقات مختلفة بعد المحفز الأولي، كما يوجد فروقات رئيسة في مستوى أهمية الأدوار التي يؤديها التلفيف الزاوي".

وفي السياق، ركزت ورقة الدكتور محمد على الدراسات المتمحورة حول التلفيف الزاوي بصرف النظر عن المجال، حيث ساهم من خلالها بفحص مختلف العمليات الموكلة إلى التلفيف الزاوي بالاستعانة بجهاز التحفيز الدماغ المغناطيسي وجهاز تحفيز الدماغ الكهربائي وجهاز التخطيط الكهربائي للدماغ وجهاز التخطيط المغناطيسي للدماغ.

يمكن لجهازي التحفيز الدماغي المغناطيسي والكهربائي أن يدلا على الأسباب التي تؤدي إلى السلوك الدماغي، لأن قوة المجال الكهربائي المستحث في المنطقة المستهدفة ترتبط بشكل وثيق ومباشر  في الآثار السلوكية، ولكن أدى انخفاض مستويات التحليل الزمني لهاتين التقنيتين إلى صعوبة تحديد مكان وحجم المناطق القشرية المحفَّزة في الدماغ بشكل دقيق. وعلى صعيد آخر، ضمت الورقة البحثية الدراسات التي ركزت على التقنيتين السابقتين بهدف دمج الأدلة المتعلقة بأدوار التلفيف الزاوي والناتجة عن مختلف التقنيات وتطوير نموذج موحد وفعال قادر على تحليل أدوار التلفيف الزاوي.

أما جهازي التخطيط الكهربائي والتخطيط المغناطيسي للدماغ فيمكنها وصف نشاط الدماغ بجودة عالية وفعالية زمنية كبيرة، كما يمكن لهذين الجهازين تحديد الأجزاء المسؤولة عن تحليل الأمور المتشابهة كأنماط من الأنشطة الدماغية.

وقال الدكتور محمد: "يمثل التلفيف الزاوي في الدماغ نقطة اتصال أساسية في شبكة الوضع الافتراضي في الدماغ، ويعتبر ذلك استنتاجًا متفقًا عليه في جميع البحوث المتخصصة في هذا الشأن وله آثار رئيسة على الخصائص الوظيفية للتلفيف الزاوي".

وسلطت ورقة الدكتور محمد الضوء على العديد من الأدوار  التي يلعبها التلفيف الزاوي في الدماغ، كما تم إثباته بتقنية التحفيز الدماغي، كما توصلت الورقة إلى وجود 65 دراسة ساهمت في تحديد نطاق واسع من المجالات بما في ذلك المعالجة الدلالية والقراءة والذاكرة العرضية ومعالجة الأرقام والانتباه في البحوث البصرية والدقة في الحركة ومعالجتها ذاتيًا، إضافة للعديد من الأدوار الأخرى التي يقوم بها والتي تستدعي إجراء المزيد من الدراسات والبحوث لتوضيحها.

استعان الدكتور محمد بنتائج دراسات سابقة مختلفة للاستفادة منها في سد الثغرات التي لا تغطيها الأدلة الحالية.

وقال الدكتور محمد: "لم يكن من السهل توفير قائمة شاملة بمناطق الاتصال المعقدة على مستوى جزء من الثانية، نظرًا لمستوى الاتصال الذي يبديه التلفيف الزاوي. لذلك، ركز النموذج الجديد على مناطق الاتصال والمسارات الرئيسة التي على الأرجح يمكن أن تدعم الأدوار المختلفة التي يقوم بها التلفيف الزاوي".

وأثبت هذا النموذج أن الأدوار التي يلعبها التلفيف الزاوي  هي عمليات منطقية وليست مجرد مهام محددة أو استجابات لمحفزات معينة تنحصر في مجال محدد، ويعزى ذلك إلى ظهور نفس العملية خلال مهام مختلفة، أي حدوث نفس عملية استخلاص البيانات بغض النظر عن نوع العملية سواء كانت عملية مضاعفة رقمين أو إكمال جملة. وفي نموذج الدكتور محمد، عندما توكل عملية معينة للتلفيف الزاوي، ليس بالضرورة أن يكون التلفيف الزاوي عنصرًا أساسيًا في العملية وإنما تكمن أدواره في الانخراط في العملية.

ويقوم النموذج الموحد الذي طوره الدكتور محمد بشكل محوري على عملية تفسير الأحداث والتي من خلالها يقوم الدماغ بمنح المعاني للمعلومات الخارجية أو للأفكار الداخلية. ويتكون النموذج من ثلاث مراحل من ناحية آلية القيام بتلك المهمة وهي، تعريف وتحديد السياق الحالي في مدة زمنية تصل إلى 200 جزء من الثانية وتوجيه الاهتمام بالمعلومات واستخلاص الحقائق للسياق في  مدة تصل لـ 300 جزء من الثانية، وبعد ذلك تأتي مرحلة دمج المعلومات ورصد النتائج وإعادة تقييمها خلال مدة 500 جزء من الثانية.

ويساهم هذا النموذج الموحد في إلقاء الضوء على العملية التي يقوم التلفيف الزاوي من خلالها بتكوين معنى للأحداث التي تدور حولنا، كما يشير الدكتور محمد إلى أن اعتبار التلفيف الزاوي جزء من شبكة الوضع الافتراضي هو أمر مثير للجدل مقارنة بدوره في عمليات المعالجة الدلالية.

وعلق الدكتور محمد على ذلك قائلًا: "لا تزال الأدوار التي يلعبها التلفيف الزاوي في شبكة الوضع الافتراضي غير واضحة، ويمكن التعامل مع ذلك من خلال استخراج الأدوار المختلفة للتلفيف الزاوي في شبكة الوضع الافتراضي والذي سيعزز فعالية أداء النموذج خلال قيامه بوظيفته، لا سيما وأن النموذج الموحد يساهم في فهم العديد من الأدوار في فترات زمنية مختلفة".

يذكر أن النموذج المقترح، إضافة لارتباطه بعلم الأعصاب الإدراكي، له القدرة على التفسير والتنبؤ بالنتائج وطرق التعافي في حال حدوث أي تلف في التلفيف الزاوي، حيث أكد الدكتور  محمد ذلك قائلًا: "يصعب التنبؤ بنتائج ما بعد السكتة الدماغية أو طريقة الاستشفاء منها لدى المرضى المصابين بالسكتات الدماغية التي تلحق الضرر  بالتلفيف الزاوي، ولكن يساهم النموذج الموحد في توفير هيكل عمل لمحاولة فهم التغيرات عند المرضى ما بعد الإصابة بالسكتة من حيث النتائج وآلية الاستشفاء".