ساهم الدمج ما بين مفاهيم الهندسة والكيمياء الخضراء والذكاء الاصطناعي في تطوير تلك المواد
باحثون من جامعة خليفة وآخرون دوليون يطورون مواد تبريد مستدامة من خلال الجمع ما بين النمذجة الجزيئية وتعلم الآلة

شكل ثقب طبقة الأوزون في تسعينيات القرن الماضي أزمة عالمية كبيرة، حيث توصلت البحوث إلى أن طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية قد بدأت تتضاءل نتيجة الاعتماد العالمي على مواد الكلوروفلوروكربون وزيادة نسبه في الهواء الجوي وأجهزة التبريد.  ووفقًا لذلك، تم حظر استخدام مواد الكلوروفلوروكربون في جميع أنحاء العالم خلال تلك الفترة وإلى مطلع العام ألفين نظرًا لآثارها الضارة على البيئة والحث على البحوث التي تركز على إيجاد مواد نظيفة وأكثر فاعلية.

تعتبر مواد الهيدروفلوروكربون  واحدة من مواد التبريد التي لا تحتوي على الكلور وبالتالي لا تسبب ضررًا على طبقة الأوزون، إلا أنها تعزز مشكلة الاحتباس الحراري العالمي بشكل ملحوظ مقارنة بمواد التبريد التقليدية، الأمر الذي دعا إلى وضع قوانين جديدة للحد من استخدامها أيضًا. من جهة ثانية، تعد مواد التبريد التجارية المتوفرة اليوم موادًا من الجيل الثالث لكنها كذلك الحال تضر بالبيئة، وهو ما قاد للبحث عن مواد تبريد من الجيل الرابع تتميز بأنها نظيفة وفعالة وآمنة على البيئة.

وفي هذا الإطار، قام فريق بحثي من جامعة خليفة وجامعة روفيرا فيرجيلي في إسبانيا بتطوير منهجية متكاملة لتقييم مواد تبريد محتملة وجديدة بالاعتماد على خوارزمية تعلم الآلة، حيث يساهم نموذج الفريق في تحديد العلاقة ما بين التوصيف الجزيئي والمعايير الجزيئية اللازمة لاستيفاء الخصائص الديناميكية الحرارية لتطوير مادة تبريد جديدة فعالة وآمنة على البيئة.

وتعاون الباحثون وهم، الأستاذة لورديس فيغا، مديرة مركز جامعة خليفة للبحث والابتكار في ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين وأحمد درويش وإسماعيل الخطيب، وهما طالبا دكتوراه في الهندسة الكيميائية، مع كل من كارلوس ألبا والدكتور فيلكس ليوفل لتطوير النموذج، حيث تم نشر نتائج بحثهم في المجلة الدولية "إنداستريال آند إنجنييرنغ كيمستري ريسيرتش" المتخصصة في بحوث الكيمياء في مجالات التصنيع والهندسة.

يستدعي تطوير مادة تبريد جديدة منحها مزايا تؤهلها لأن تكون آمنة على البيئة وأن تلبي جميع متطلبات الأمن والسلامة البيئية وتوفر فعالية تقنية في الأداء. ووفقًا للفريق البحثي، أول معيارين هما التركيب الذري لمادة التبريد وهيكلها، أما المعيار الثالث فهو الأداء التقني المتميز.

ويمكن إجراء اختبار منتظم للمعايير الثلاثة مرة واحدة عوضًا عن اختبار كل واحدة منها على حدة وذلك من خلال نماذج المحاكاة الحوسبية التي تعتبر طريقة فعالة في تحديد مادة التبريد الأفضل. ويتطلب تطوير هذه النماذج قاعدة بيانات شاملة بالخصائص المتعلقة بالمواد في مواد التبريد، إضافة لتطوير المواد المبرِّدة لتحديث قاعدة البيانات.

من جانبها، قالت الدكتورة لورديس: "لم تعد التجارب التقليدية للحصول على الخصائص القياسية للمبردات قادرة على تلبية العدد المتزايد من لتلك المواد المطورة حديثًا، وذلك يدعو للحاجة إلى أدوات نمذجة حاسوبية قادرة على التنبؤ وتقييم السلوك الديناميكي الحراري للمبردات وبالتالي الحصول على الخصائص اللازمة للتقييم التقني. ووفقًا لذلك، تم تطوير مجموعة كبيرة من الأدوات، إلا أنه من الصعب تقييم مدى فعالية نموذج ديناميكي حراري واحد على حساب النماذج الأخرى لأنها تعاني جميعها من بعض المشكلات، وهو ما يستدعي الحاجة إلى وجود عالمي واحد".

ساهم دمج منهجيات تعلم الآلة مع النمذجة الجزيئية في تمهيد الطريق أمام عدد كبير من التطبيقات التي تشمل التصميم المنطقي للمواد الخضراء الجديدة والتنبؤ بالسلوك الديناميكي الحراري للأنظمة المعقدة وتسريع تطوير نماذج المحاكاة الجزيئية، الأمر الذي دعا الدكتورة لورديس والفريق البحثي إلى الاستفادة من هذه المنهجية في مشروعهم البحثي.

ويمكن للنموذج الذي طوره الفريق التنبؤ بالمعايير الجزيئية للمواد المبردة النقية، حيث تم تطبيقه على 18 مادة مبردة من الجيلين الثالث والرابع بهدف الاختبار، وتم اختيار هذه المواد للاختبار تحديدًا لأن الفريق البحثي لديه إمكانية الوصول للبيانات المطلوبة لتدريب خوارزميات تعلم الآلة. أما الاستعانة بالمبردات من الجيل الثالث فيعود لكونها متوفرة في الأسواق الوقت الحالي ومن الجيل الرابع لأنها أظهرت إمكانية لتصبح مادة بديلة مستدامة ذات أداء متميز وآمن على البيئة.

وباشر الباحثون ببناء هيكل العمل بالاعتماد على شبكة عصبية اصطناعية قائمة على تعلم الآلة تهدف إلى التنبؤ بمعايير مواد التبريد من خلال التوصيف الجزيئي، وبهذه الطريقة ودون الحاجة للبيانات الناتجة عن التجارب يمكن للنموذج القيام بالتنبؤ الفعال بآلية أداء مواد التبريد.

وأضافت الدكتورة لورديس: "أظهرت نتائجنا البحثية أن لهذه المنهجية الجديدة والمتكاملة قدرة على التقييم التقني للمبردات المطورة حديثًا وإن لم تتوفر بيانات التجارب بالشكل الكافي، ويعد ذلك الخطوة الأولى في البحث عن البدائل الخضراء التي تستوفي المتطلبات البيئية والتقنية في مواد التبريد من الجيل الرابع".