تسبب إعصار شديد وغير متحرك حول القارة القطبية الجنوبية في انهيار جزء من جرف برنت الجليدي في البحر حيث يعتقد الباحثون أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية لعب دورًا في ذلك
باحثون من جامعة خليفة يشاركون في الكشف عن المسببات الجوية لانفصال جرف برنت الجليدي في فبراير 2021

تتكشف مشاهد درامية في القارة القطبية الجنوبية مع تواصل التغير المناخي في كل أنحاء العالم، حيث تتكسر صفائح جليد هائلة من حافة القارة وتصطدم بالبحر وهي الصورة الحقيقية للاحتباس الحراري. يعد تكسر وتفكك أجزاء من الجروف الجليدية عملية طبيعية تُعرف باسم الدورة الجليدية ورغم أن الأحداث المنفصلة ليست أمرًا مقلقًا في حد ذاتها، إلا أنها أصبحت أكثر شيوعًا.

ويشكّل حدث الانفصال العملية التي تفترق عبرها كتلة كبيرة من الجليد عن جرف جليدي أو نهر جليدي لتصبح جبلًا جليديًا. وتعد الجروف الجليدية منصات عائمة من الجليد تتشكل في نقاط التقاء الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي بالمحيط. ولا تزال أحداث الانفصال الكبيرة من هذا النوع غير متوقعة إلى حد بعيد، لكن العملية مرتبطة عادةً بالدورة الجليدية للجروف الجليدية، إضافة إلى ديناميكيات المحيط. أُغفلت إلى حد كبير المسببات الجوية لتلك الأحداث، لكن فريقًا يضم باحثين من جامعة خليفة لاحظ تغيرات في الرياح القوية القريبة من السطح كسبب لحدث انفصال حصل في فبراير 2021.

وحققت الدكتورة ديانا فرانسيس، رئيسة مختبر العلوم البيئية والجيوفيزيائية ضمن جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، والدكتور ريكاردو فونسيكا وشرف الدين شريف، وكلاهما من نفس المختبر، في المسببات الجوية لحدث الانفصال بالتعاون مع كايل ماتينغلي من جامعة ويسكونسن ماديسون وأوليفر مارش من هيئة المسح البريطانية لأنتاركتيكا، وستيف ليرميت من جامعة دلفت للتكنولوجيا. ونُشرت نتائج بحثهم في مجلة "أتموسفيرز" العلمية.

وانفصل جبل الجليد "أي-74" من جرف برنت الجليدي عندما أدت رياح قوية قريبة من السطح ومرتبطة بالأعاصير الشديدة إلى تضخيم الضغط على الصدع الموجود مسبقًا في الجرف الجليدي، وقد انجرف بعد الانفصال الجبل الجليدي غربًا بسرعة 700 متر في اليوم بدفع من رياح بحرية شديدة.

وقالت الدكتورة فرانسيس: "تشكل الجروف الجليدية المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية 11 بالمئة من إجمالي مساحتها، وتتراجع الجروف الجليدية على مدى العقود القليلة الماضية بشكل كبير أو تنهار تمامًا، وتتسبب خسارة الجليد الأرضي بآثار مهمة على ارتفاع مستوى سطح البحر محليًا وعالميًا. وتبني الجروف الجليدية حول القارة القطبية الجنوبية في الواقع منطقة فاصلة تحمي الجليد الأرضي خلفها من تضخم المحيطات الذي قد يفاقم فقدان الجليد. فعندما تضعف الجروف الجليدية أو تنهار، يتسارع فقدان الجليد مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر".

ورغم تركيز معظم الاهتمام على ذوبان القمم الجليدية، يعد الانفصال أسرع طريقة يساهم بها الجليد في ارتفاع مستوى سطح البحر. والجروف الجليدية نفسها عبارة عن جليد عائم، وبالتالي تعمل على إزاحة المياه، لكنها تكبح تدفق الجليد إلى الداخل. وأوضحت الدكتورة فرانسيس: "في أواخر فبراير 2021، انفصل جبل الجليد  "أي-74" من الجانب الشمالي لجرف برنت الجليدي. ورغم أن معظم فقدان الجليد في هذا الجرف يُعزى إلى تدفق مياه المحيط الدافئة، أدت الظروف الجوية فوق القارة القطبية الجنوبية دورًا في التسبب بحدث الانفصال ذلك. نعلم أن عدد وشدة الأعاصير حول القارة القطبية الجنوبية ازدادت خلال العقود القليلة الماضية مع تحول مسارات العواصف نحو القطب تحت وطأة ارتفاع تركيز غازات الاحتباس الحراري. ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة المناخ، يُتوقع ازدياد شدة الأعاصير المتكررة".

وشهد الأسبوع السابق لحدث انفصال "أي-74" نظام ضغط منخفض قوي حول جرف برنت الجليدي مقترنًا بنهر جوي كثيف وشريط ممدود من السحب ومحتوى عالٍ من بخار الماء في الجهة الشمالية الشرقية من مركز الإعصار، حيث تساقطت الثلوج بغزارة على الجرف الجليدي، ويشير الباحثون إلى أن ذلك ربما ساهم في زعزعة استقراره، كما جلبت الرياح القوية من الإعصار مزيدًا من الهواء الدافئ من النهر الجوي، مما قد يؤدي إلى موجات عالية تضرب مقدمة الجرف الجليدي. ومع تحرك الإعصار باتجاه الشرق واشتداد وطأته، تصاعدت تلك القوى حتى اندلع حدث الانفصال وهوى الجبل الجليدي "أي-74" في البحر.

وكان ذلك الإعصار أعمق وأكثر ثباتًا من الإعصارات المعتادة، مما وفر الظروف المثالية لإطلاق حدث الانفصال. وقد أدى الهواء الدافئ والرطب والثلج، إلى جانب ارتفاع أمواج المحيط وتضخمها، إلى إضعاف واجهة الجرف الجليدي، فيما وفرت الرياح البحرية القوية منحدرًا شديدًا باتجاه سطح البحر، الأمر الذي دفع الجرف الجليدي نحو الانفصال على طول الصدع الموجود مسبقًا. واستغرق إضعاف الجرف الجليدي بما يكفي حتى يكسر المحيط جزءاً منه بعد بضعة أيام فقط.

ويوضح الانهيار السريع للجروف الجليدية في القارة القطبية الجنوبية والتسارع شبه الفوري لتصريف الجليد الأرضي في المحيط الذي أعقب الانهيار حساسية الغلاف الجليدي في القارة تجاه التغيرات الجوية التي تحدث في كل أنحاء العالم.

وأضافت الدكتورة فرانسيس: "وجدت آخر الدراسات تحولًا قطبيًا وتعزيزًا للرياح في نصف الكرة الجنوبي، خصوصًا خلال موسم الصيف، ويرجع ذلك أساسًا إلى استنفاد طبقة الأوزون. لكن رغم تعافي طبقة الأوزون في السنوات الأخيرة والانخفاض المتوقع في تلك الاتجاهات، نشهد فترات عاصفة أكثر تواترًا حول القارة القطبية الجنوبية في الأشهر الأكثر دفئًا. وقد يتسبب الاحتباس الحراري في التحول المستمر باتجاه القطب وتكثيف مسار العاصفة، مما يعني أن أحداث الانفصال قد تصبح أكثر تواترًا في عالم يزداد احترارًا، حيث تلعب التأثيرات الجوية دورًا متصاعد الأهمية. ومن المهم أكثر من أي وقت مضى تطوير نماذج ومجموعات بيانات لتقييم وتوقع ديناميكيات الجرف الجليدي في القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند وارتفاع مستوى سطح البحر للتنبؤ بشكل أفضل بتطورها وديناميكياتها".