الدروس المستفادة من العملية البريطانية "إنترادون" في مسندم العمانية

بعدما قرر الجيش البريطاني الانسحاب من منطقة الخليج العربي قبيل تأسيس دولة الإمارات، أشارت معلومات استخباراتية إلى قيام جماعة من المنشقين والمتمردين في المنطقة المعزولة شمال عُمان بتحريك عملية عسكرية سرية صغيرة بهدف حماية المصالح البريطانية في المنطقة.

تعتبر عملية "إنترادون" عملية مناهضة للمتمردين بقيادة بريطانيا في منطقة مسندم العمانية، حيث انطلقت العملية في ديسمبر 1970 وانتهت في مارس 1971. وعلى الرغم من قصر مدة تلك الاشتباكات، إلا أن العملية سعت لضمان فرض سيطرة عُمان على المنطقة والتعامل مع وجود المنشقين المشتبه بهم أثناء فترة الانسحاب البريطاني من المنطقة.

وفي هذا الإطار، قام الدكتور أثول ياتيس، الأستاذ المساعد في قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة خليفة، ببحث عملية "إنترادون" لحماية المصالح البريطانية في منطقة الخليج، وقد نُشرت مقالته في المجلة الدولية "سمول وورز آند إنسيرجنسيز". ويستعرض الدكتور أثول في المقالة التي كتبها بالتعاون مع الدكتور  جيرينت هاغز، من جامعة كنغز كوليدج في لندن، موجزًا لعملية إنترادون ويقدم مجموعة من المعلومات حول ما تتضمنه العملية من أساليب للجيش البريطاني في تنفيذ عملياتهم في منطقة الخليج.

مارست بريطانيا في مطلع القرن التاسع عشر نفوذًا كبيرًا في منطقة دول الخليج العربي، بما فيها دولة الإمارات والبحرين وقطر وعُمان. وقد أعلنت الحكومة البريطانية في العام 1968 انسحاب القوات البريطانية من المنطقة وأسفر عن ذلك قيام اتحاد دولة الإمارات في العام 1971 كدولة مستقلة مجاورة لعُمان المستقلة لكن برعاية بريطانية.

وعلق الدكتور أثول قائلًا: "بالنظر لحجم هذه العملية، هناك القليل من المؤلفات المنشورة حول هذا الموضوع"، مشيرًا إلى أن الهدف السياسي الرئيس وراء العملية هو  إجبار سلطان عُمان على تولي السلطة الإدارية لمنطقة مسندم المعزولة وغير خاضعة لحكم أحد. وأضاف الدكتور أثول: "تسعى العملية إلى توفير الحماية على مسار نقل النفط في مضيق هرمز وإزالة التهديدات التي تقف عائقًا أمام عملية اتحاد الولايات الواقعة تحت الحماية البريطانية والتي أصبحت فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة".

ويعرف مضيق هرمز بأنه ممر مائي ضيق بين إيران ومنطقة الخليج العربي يتم عبره نقل ثلث النفط العالمي كل يوم. وتعتبر  منطقة مسندم شبه جزيرة جبلية تطل على مضيق هرمز. ووفقًا لذلك، فإن موضوع السيادة العمانية لمنطقة مسندم والمشاركة البريطانية التي تتمثل بالمشاركة في وضع الخطط للحفاظ على هذه السيادة هو موضوع متكرر نتج عنه عملية إنترادون في العام 1970، وقد كان معظم سكان هذه المنطقة في تلك الفترة من قبيلة الشحوح والمركز السياسي في خصب.

وقال الدكتور أثول: "عين السلطان واليًا للإشراف على مسندم ولم تكن صلاحياته تتعدى حدود خصب بهدف تنفيذ رغبات السلطان، وكان الوضع الأمني على الساحل الغربي لمسندم غير مستقر نتيجة الخلافات المستمرة بين أفراد قبيلة الشحوح وحاكم رأس الخيمة. وفي ضوء الأعداد الكبيرة لأفراد قبيلة الشحوح في كل من مسندم ورأس الخيمة، خشي حاكم رأس الخيمة من قيام حركات تمرد ضده وبالتالي التأثير على استقرار  الأمن في بقية الإمارات. وفي هذا الصدد، لاحظ مسؤولون بريطانيون أنه إذا لم يبدأ السلطان بممارسة صلاحياته في نزع فتيل الأزمة، ستظل هذه المنطقة مصدرًا للنزاع والإحراج بالنسبة للبريطانيين".

كانت رغبة بعض شيوخ قبائل الشحوح تصعيد حدة التوتر في مسندم بهدف الحصول على الاستقلال أو الحكم الذاتي من سلطان عُمان. ففي العام 1966، أشار تقرير  استخباراتي إلى أن محاولة أحد شيوخ الشحوح الحصول على مساعدة حكام دبي وأبوظبي لإقناع البريطانيين باعتبار إقليمه إقليمًا مستقلًا، بينما يتوقع البريطانيون أنه في فرض سلطان عُمان سيطرته على مسندم فإن جهود الشحوح الانفصالية ستنتهي.

وفي العام 1971، انسحبت الحكومة البريطانية بشكل تام من إمارات ساحل عُمان وتشكلت بعد ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن بقي  الموضوع الأهم بالنسبة للمملكة المتحدة هو الحفاظ على نفوذها في المنطقة للاستفادة من موارد النفط وأغراض التجارة والاستثمار. وتحولت مسندم في ذلك الوقت من نقطة اهتمام استراتيجية إلى عنصر رئيس لتحقيق الأمن في منطقة الخليج لتسهيل عبور ناقلات النفط.

وقال الدكتور أثول: "ركز البريطانيون على تجنب إعادة الانسحاب من عدن في العام 1967 والفترة التي تليها، لكن حدث الانسحاب بشكل سريع نتيجة إطلاق النيران وترتب على ذلك الإطاحة بالشيوخ الذين كانوا بحماية البريطانيين وتحول منطقة جنوب اليمن إلى دولة ماركسية لينينية".

شهدت المصالح البريطانية في مسندم تهديدات كثيرة من قبل المنشقين، ما دعا رئيس الوزراء البريطاني إدوارد هيث إلى الموافقة على عملية إنترادون التي استدعت انتشار سرب من قوات الخدمات الجوية الخاصة في القوارب والمظليات وسرب آخر من قوات خدمات القوارب الخاصة.

لم تفصح خطة إنترادون إلا عن معلومات قليلة جدًا بشأن أعداد المنشقين والمعدات وأماكن وجودهم وأهدافهم. وبالمقارنة مع عدد المنشقين الذي يتراوح ما بين 10 إلى 30 متمردًا، ضمت عملية إنترادون مئات الجنود من ثلاث قوات مسلحة بريطانية مسلحة وفرق الكشافة التابعة لإمارات ساحل عُمان، وهم مجموعة من قوات المشاة المحليين بقيادة بريطانيا.

وقد كان من المقرر أن تبدأ عملية إنترادون في 17 ديسمبر بدخول سري للقوات الجوية الخاصة عن طريق البحر، إلا أنها تأجلت يوم واحد بسبب سوء الأحوال الجوية، وفي ذلك اليوم كانت فرق الكشافة تساهم في تأمين الحماية لإحدى القرى التي تبعد عن مسندم ميلين جنوبًا. وفي نهاية هذه المرحلة، انسحبت القوات الجوية الخاصة والقوات المسلحة البريطانية من مسندم دون أسر المشتبهين ودون خسائر قتالية من قبل المتمردين.

من ناحية ثانية، يتمثل الهدف الآخر لعملية إنترادون في قيام سلطان عُمان بفرض سيطرته على مسندم الذي يتضح من خلال إرسال مبعوث سياسي بواسطة طائرة مروحية في 17 ديسمبر، وعادت الطائرة إلى مسقط تحمل معها الشيخ المشتبه بقيامه بإثارة النزاعات في مسندم.

وقامت فرق المشاة في الفترة ما بين 18 إلى 29 ديسمبر بزيارة معظم القرى في مسندم مشيًا على الأقدام ولم يشهدوا أية مواجهات مع المتمردين.

وعلق الدكتور أثول: "وفي سياق الحديث عن نتائج عملية إنترادون، يمكن القول أن أهداف بريطانيا التكتيكية والسياسية قد تحققت. فمن ناحية تكتيكية، نجحت العملية في وقف النزاعات التي يقوم بها المتمردون في المنطقة. ومن الناحية السياسية، فقد نجحت إنترادون في فرض سيطرة السلطان الإدارية والأمنية في مسندم والذي منحه قاعدة لإنهاء الحركات الانفصالية في المنطقة".

وفي معرض مقالة "سمول وورز آند إنسيرجنسيز"، يطرح الدكتور أثول بعض الأفكار التي تسلط الضوء على منهجية بريطانيا في العمليات العسكرية في منطقة الخليج العربي، خاصة في الفترة التي تنهي فيها احتلالها.

وقال الدكتور أثول: "يعتمد نجاح بريطانيا في هذه العملية على بعض الافتراضات المثيرة للجدل كوجود خطر واضح من قبل المتمردين، وتشير الدلائل إلى أن هذا الخطر كان وهمًا، حيث لم تتم ملاحظة أي وجود للمتمردين ولا  لإطلاق النار. وإن كانت التقارير الاستخباراتية حول المنشقين دقيقة، فإن التاريخ ما بعد العملية يثير التساؤلات بأن وجود الجماعات المنشقة لم يشكل تهديدًا على عملية اتحاد دولة الإمارات. ووفقًا لذلك، تساهم المنهجية المتبعة في عملية إنترادون في إلقاء الضوء على آلية صياغة العمليات العسكرية البريطانية في الإمبراطورية البريطانية غير الرسمية في منطقة الخليج".