كيف تؤثر الثقافة على عملية التحول إلى الطاقة منخفضة الكربون؟

تواجه الجهود التي تبذلها العديد من المدن في التحول إلى تكنولوجيات الطاقة قليلة الكربون بعض العراقيل التي تتمثل بالتأثيرات الثقافية. وفي هذا الصدد، قدم كل من الدكتور ستيف جريفث، نائب رئيس أول للبحوث في جامعة خليفة والدكتور بنجامين سوفاكول، أستاذ سياسات الطاقة في وحدة بحوث السياسات العلمية في جامعة ساسكس، ورقة بحثية لتقييم الأثر الثقافي في اعتماد الممارسات السلوكية والتكنولوجيات قليلة الكربون، حيث يناقشان خلالها الأثر الثقافي ودوره في توجيه صناع القرار وواضعي الخطط المتعلقة بالطاقة في كيفية الانتقال للطاقة قليلة الكربون خاصة في ظل التغير التكنولوجي المتسارع الذي يشهده عصرنا اليوم، وتبحث الورقة كذلك في الكشف عن الأبعاد الثقافية والتي تتمثل بأربع حالات للاستدامة.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور ستيف: "يمكن للثقافة أن تحفز الجهود الرامية للانتقال للطاقة قليلة الكربون وأن تعزز فعاليتها واستدامتها أو أن تزيد من تعقيدها. وفي هذا الإطار، قمنا بالبحث عن أدلة تبين أثر العلاقة بين الثقافة والطاقة قليلة الكربون من خلال الاستفادة من البيانات الناتجة عن دراسات النقل والطاقة والدراسات المتعلقة بالأنثروبولوجيا والعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع".

وباعتماد هذا النهج، تمكن الباحثون من الكشف عن كيفية تشكيل الديناميكيات الثقافية التي تساهم في الانتقال للطاقة قليلة الكربون من قبل ممارسات الفرد والتكنولوجيات والبيئات المتعايشة مع الممارسات والمؤثرة فيها.

وقال الدكتور بنجامين: "يعتبر هذا المشروع مهماً في مجال الابتكارات التقنية الجذرية كالمركبات غير المأهولة والتي تتخذ فيها الآلة أو التكنولوجيا شكلاً من السلوكيات التي تحددها الثقافة".

ويقترح الباحثان في ورقتهما البحثية إطاراً يتم من خلاله ربط التغيرات المحورية للسلوكيات في الابتكارات التكنولوجية الجذرية في محاولة للبحث عن التأثيرات الثقافية في الجهود الهادفة للانتقال للطاقة قليلة الكربون. وتضم الحالات الأربعة في إطار هذه الدراسة اعتماد مشاركة المركبات والمركبات الآلية والقيادة البيئية وإجراء التعديلات المنزلية.

ويعتبر السلوك المتمثل بقيادة السيارات، مثلا، من أكثر السلوكيات المؤثرة بالبيئة، حيث يمكن تقسيم القيادة البيئية لثلاثة فئات تشمل القرارات الاستراتيجية كاختيار المركبة والقرارات التكتيكية كتخطيط المسارات والقرارات العملية كأسلوب القيادة.

وأضاف الدكتور ستيف: "ترتبط الثقافة بعلاقة إيجابية مع القيادة البيئية. فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة لرواد تويوتا بريوس أن مالكيها أظهروا استعداداً لدفع أسعار مرتفعة للمركبات غير فارهة لأنها تمتاز بهوية خضراء ترمز للبيئة، حيث يعتبر الفرد الذي يقتني سيارة تويوتا بريوس فرداً اجتماعياً إيجابيا. وأكدت الدراسات المتتالية في هذا السياق أن السيارات البيئية تحظى بقيمة رمزية وتقدم صاحبها على أنه فرد متعلم وعلى درجة من الوعي ويضع اهتماماته على القضايا المتعلقة بالبيئة والصحة".

وقام الباحثان أيضاً بدراسة الوضع المعاكس لذلك والذي يتمحور حول السلوكيات التي تُعرف بـ " القيادة العدوانية" والتي لها أثر سلبي في استخدام الطاقة ومعاكس للقيادة البيئية وتمارس كعادة ثقافية، حيث توصلا إلى حقيقة أن عناصر القيادة العدوانية تكثر في المناطق التي تنتشر فيها الثقافة الذكورية وتشير بعض الدراسات كذلك إلى أن أسباب السرعة العالية بين الشاب في قيادة السيارات تعود إلى الضغط الاجتماعي من قبل نظرائهم.

وأضاف الدكتور بنجامين: "تحتوي البرمجيات في السيارات الآلية على الذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلم الآلة والتي تسمح للمركبة بصنع القرارات في الوقت اللازم بالاعتماد على المعلومات التي تتلقاها من أجهزة الاستشعار. وتتمثل وظيفة الخوارزميات في تنظيم وتفسير البيئة المحيطة لتقوم فيما بعد باتخاذ الإجراءات المناسبة للموقف".

ويوضح البحث أن المركبات الآلية المدربة على استخدام تقنيات التعلم الآلي يمكن أن تظهر بعض التحيز في الكشف عن المشاة وفقاً للون البشرة فتقوم بأداء أفضل عند التعرف على الأشخاص من ذوي البشرة الأفتح، إضافة لأسلوب ارتداء الملابس فتبدي أداءً أفضل في التعرف على الأشخاص من ذوي اللباس الغربي، وقد تتسبب تحيزات الآلة في إحداث ضرر للمشاة.

ويوجد فروقات ثقافية أقل خطورة تؤثر في انتشار التطبيقات التي تركز على مشاركة المركبة، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط. ففي الغرب، وعلى الرغم من انتشار تطبيق أوبر إلا أن الشركات التي تركز على مشاركة المركبات في النقل في تزايد بفضل الوعي الثقافي هناك.

وتركز التعديلات المنزلية، وفقاً للباحثين، على إعادة تصميم المنازل خاصة فيما يتعلق بأمور التدفئة والتبريد، وذلك بهدف الحد من كمية الطاقة المستهلكة وتعزيز فعالية الطاقة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال العديد من التكنولوجيات والتي تشمل العازلات النسيجية والإضاءة الموفرة للطاقة والنوافذ المطورة.

وأكد الباحثان على أهمية الإجراءات السياسية المتعلقة بالوعي الثقافي لمفهوم الاستدامة وتحقيقها من منظور ثقافي، حيث قال الدكتور ستيف: "لا يمكن الاكتفاء بالأبعاد التكنولوجية الاقتصادية للانتقال للطاقة قليلة الكربون كونها تتأثر أيضاً بالعامل الثقافي، حيث توصل الباحثون في السنوات الماضية إلى حقيقة أهمية الجوانب العلمية الاجتماعية في بحوث الطاقة والذكاء الاصطناعي. والآن، حان وقت الاستفادة من هذه الحقيقة لنجمع الجهود البحثية بمختلف تخصصاتها لضمان عملية التحول للطاقة قليلة الكربون ولنجعل الثقافة عاملاً مساهماً في التخلص من الكربون في منازلنا ومجتمعاتنا وبلداننا مستقبلاً، وأن لا تكون عائقاً يحول دون ذلك".