يُتوقع أن تلعب الإلكترونيات الحيوية دورًا بارزًا في التحول عن الدراسات الحيوانية وتعتبر هذه التكنولوجيا ضرورية لإحراز التقدم في مجال اكتشاف الأدوية
باحثون من جامعة خليفة وجامعات عالمية أخرى يكشفون عن أهمية الإلكترونيات الحيوية العضوية في الأنظمة المختبرية

شكّل الاكتشاف العرضي الذي حدث في العام 1928 نقطة تحول في تاريخ الإنسان عندما عاد الدكتور ألكسندر فليمنغ من إجازته الصيفية ووجد أطباقه المختبرية قد غطاها العفن.

تعتبر  البنسلين مادة هامة تم اكتشافها بالصدفة، حيث اعتمد اكتشاف الأدوية الحديثة في الفترة الأولى على الصُّدف. وتتيح لنا اليوم التقنيات الفعالة التي تشمل النمذجة الجزيئية والتشخيص الآلي عالي الأداء وتكنولوجيا الـ (دي إن إي) المعاد تركيبها فرصة تطوير أنواع محتملة عديدة من الأدوية بشكل منهجي ومدروس.

ومن الضروري أن يتم اختبار الأدوية في ظروف مختبرية قبل البدء بإجراء التجارب السريرية على الإنسان، وتشمل الظروف المختبرية القيام بالتجارب في أدوات زجاجية متخصصة خارج نطاق جسم الكائن الحي كأطباق "بتري" التي استخدمها العالم ألكسندر في مختبره.

تُستخدم أدوات الاختبار الزجاجية لدراسة الخلايا البكتيرية والحيوانية والبشرية نظرًا لتوفيرها للبيئة المناسبة لإجراء التجارب، حيث توفر تلك الأدوات الزجاجية الدقة في محاكاة الحالة الحقيقة للنظام الحيوي عند دراسته وبالتالي يمكن الحصول على قدر كبير من المعلومات.

وفي هذا الصدد، قام الدكتور تشارالامبوس بتساليديس، الأستاذ المساعد في الفيزياء في جامعة خليفة، باستعراض التطورات الناشئة لنوع من الإلكترونيات المصنوعة من مواد إلكترونية عضوية تتكون من بوليمرات مترابطة لسد الفجوة بين جسم الإنسان والتكنولوجيا، حيث درس الفريق البحثي التحديات وطرق الاستفادة من البوليمرات المترابطة عند اختبارها سريريًا في أنظمة الفحص بالأنابيب الزجاجية التي تمثل نماذج حيوية.

وفي هذه الدراسة، تعاون الدكتور تشارالامبوس والدكتورة آنا ماريا بابا، الأستاذة المساعدة في الهندسة الطبية الحيوية في جامعة خليفة، مع الأستاذ أوين وفريقه البحثي من جامعة كامبريدج، إضافة لباحثين من جامعة ستراثكلايد وجامعة ليون. وتم نشر  نتائج الدراسة في المجلة الدولية "كيميكال ريفيوز".

من جانبه، قال الدكتور تشارالامبوس: "شهدت السنوات الأخيرة انخفاضًا في عدد العلاجات المعتمدة بشكل متزايد وبمعدلات تدعو للقلق، كما أدى ارتفاع مستوى أنظمة السلامة إلى زيادة كبيرة في تكاليف تطوير الأدوية وانخفاض معدل أرباح العلاجات الجديدة، إلى جانب ارتفاع تكاليف إجراء الدراسات على الحيوانات وما نتج عنه من إخفاق في تنبؤ الآثار السلبية للأدوية المحتملة".

ولتحسين معدلات النجاح في هذا الجانب، يوجد مجالان رئيسان يمكن البحث فيهما هما، التركيز على الكشف عن علامات حيوية جديدة ووضع المزيد من أهداف الأدوية من جهة، وتحسين تكنولوجيات النمذجة التي تحقق المحاكاة الأفضل لجسم الكائن الحي وبالتالي تمكننا من اختبار آلاف الأدوية الممكنة بشكل دقيق وسريع.

ويركز فريق الدكتور تشارالامبوس على تطوير التكنولوجيات الحديثة لمحاكاة ورصد الأنظمة الحيوية بأكبر قدر ممكن من الدقة بالاستعانة بالتكنولوجيات الإلكترونية الحيوية العضوية.

وأضاف الدكتور تشارالامبوس: "تم استخدام نماذج الأنابيب الزجاجية لفحص الخلايا بشكل متزايد في مختلف التطبيقات التي تتنوع ما بين هندسة الأنسجة واكتشاف الأدوية وعلم السموم. إضافة لذلك، تتميز نماذج الفحص باستخدام الأنابيب الزجاجية بأنها أخلاقية وسريعة وغير مكلفة اقتصاديًا ويمكن معايرتها والتحقق من فعاليتها بسهولة. وفي الوقت الحالي، نفتقر للتكنولوجيات المرنة والقابلة للمعايرة التي تساهم في تحويل الإشارات الحيوية إلى مخرجات يمكن قراءتها".

وقالت الدكتورة آنا ماريا: "ينتج عن دمج المستشعرات الحيوية بهدف استشعار النواتج الأيضية والعلامات الحيوية في الأنظمة الحيوية تحقيق الدقة والشمولية في إجراء الاختبارات ضمن أنظمة الأنابيب الزجاجية، وهما عنصران في غاية الأهمية في التطبيق السريري".

ويعتبر الفهم الشامل للعلاقة ما بين المواد الإلكترونية والأحياء خطوة رئيسة لتطوير التكنولوجيات الحديثة، حيث تتكون الإلكترونيات العضوية من الكربون ويُتوقع أن تؤدي دورًا أساسيًا في مجال الترابط الحيوي الذي يتمثل في سد الفجوة بين الأجسام الحيوية والأجسام غير الحيوية.

وقال الدكتور  تشارالامبوس: "أثبتت المواد الإلكترونية العضوية والمكونة من بوليمرات مترابطة فعاليتها التكنولوجية في العديد من المجالات التي تشمل الخلايا الشمسية والصمامات الثنائية الباعثة للضوء، كما أنها أظهرت فعالية في مجال الإلكترونيات الحيوية نظرًا لقدرتها على المحاكاة الحيوية".

وكشفت الجهود البحثية الحديثة عن استخدام المواد الإلكترونية العضوية في المجالات الحيوية المتعلقة بالاستشعار الأيوني والمضخات الأيونية وأجهزة الحركة العصبية، الأمر الذي يؤكد على سهولة اندماج تلك المواد مع الأنظمة البيولوجية المعقدة وما توفره من نتائج فعالة في نقل الإشارات البيولوجية.

قال الدكتور  تشارالامبوس: "يعرف الترابط على أنه علاقة ثنائية تربط بين المحاكاة والرصد، لكن قمنا في هذه الدراسة بإدخال جزء ثالث تساهم من خلاله الخصائص الكيميائية والفيزيائية للجهاز التأثير على النظام الحيوي قيد الدراسة".

وأضاف: "تعتبر معظم البوليمرات المترابطة متوافقة حيويًا بطبيعتها لأنها مصنوعة من عناصر كيميائية تتناسب مع التركيب العضوي للخلايا والأنسجة كالكربون والهيدروجين، لكن لا يمكن تحديد خصائص التوافق الحيوي في البوليمرات المترابطة عالميًا نظرًا لاحتمالية إظهار ردات فعل حيوية مختلفة وفقًا لنوع الخلايا والأنسجة".

ويرى الفريق البحثي أنه يمكن دمج البوليمرات المترابطة ثلاثية الأبعاد مع السوائل الدقيقة لاستيفاء جميع متطلبات اكتشاف الأدوية بواسطة الأنابيب المختبرية الزجاجية.

وأكد الدكتور تشارالامبوس على ضرورة التقدم في مجال استخدام الأنظمة المختبرية الزجاجية الدقيقة والفعالة لقدرتها على محاكاة جسم الكائن الحي، حيث قال: "نتوقع بأن تستوفي البوليمرات المترابطة في السنوات القليلة القادمة جميع المتطلبات التي تشمل التطور والدقة والفعالية لتحل محل النماذج الحيوانية في مجال استكشاف الأدوية وبحوث الأمراض".