تسببت الطفرات الجينية الفريدة من نوعها في جين واحد لدى مَريضَي سكري في تكثيف دراسات 40 باحثًا في الآثار المترتبة على التعبير الجيني
باحث من جامعة خليفة وآخرون دوليون يكتشفون جينًا جديدًا مسؤولًا عن مرض السكري

ساهم رسم الخريطة الكاملة لجينوم الإنسان في العام 2003 في إمكانية توفير العلاج المتخصص وفقًا لحاجة الأفراد الجسدية والجينية، حيث أظهرت الأدلة أنه يمكن استخدام السجل الجيني للمريض للكشف عن المرض في بدايته ووقف تفشيه وابتكار العلاج المناسب له.

وقد عزز ذلك جميع الجهود الدولية الرامية لتطوير علاج شخصي دقيق لكل مريض وبالتالي تطوير الأدوية الجينية في الممارسات الطبية التي تشمل مجالاتها علاج مرض السكري.

وفي هذا الإطار، قام فريق مكون من 40 باحثًا من جميع أنحاء العالم بدراسة الجينومات لدى مرضى السكري وعائلاتهم بهدف تحديد نوع من الجينات مسؤول عن مرض السكري أحادي الجين، وهو مرض السكري يسببه حدوث مجموعة من الطفرات في جين واحد. وتحدث أكثر أنواع مرض السكري انتشارًا نتيجة التعدد الجيني أو عوامل تتعلق بأسلوب الحياة، بينما يحدث مرض السكري أحادي الجين نتيجة عوامل وراثية.

وفي سياق البحوث الجينية، تعاون الدكتور بيير زالوا، أستاذ ورئيس قسم الأحياء الجزيئية وعلم الوراثة في جامعة خليفة، مع باحثين من فرنسا وألمانيا والنمسا والولايات المتحدة وسنغافورة بهدف تحديد الجين المسؤول عن حالة مريضين مصابين بالسكري أحادي الجين، وتم نشر نتائجهم البحثية في المجلة الدولية المرموقة "نيتشر ميديسن".

قال الدكتور بيير: "يصيب مرض السكري ما يزيد على 350 مليون شخص في العالم، لذلك يساهم اكتشاف الجينات ودراستها في توفير المعلومات الهامة لفهم آلية المرض، حيث يمكننا من خلال الفهم الأفضل تحسين جودة الحياة وتطوير العلاجات الاقتصادية لمرضى السكري".

يوجد نوعان من مرض السكري هما مرض السكري من النوع الأول ومرض السكري من النوع الثاني. يبدأ السكري من النوع الأول منذ مرحلة الطفولة، حيث يعاني المرضى من عدم القدرة على إنتاج الإنسولين بكميات كافية، بينما يرتبط السكري من النوع الثاني بالبدانة ويصيب الأفراد في مراحل عمرية متوسطة. ويسري النوعان في العديد من العائلات وتلعب العوامل الجينية دروًا أساسيًا في ذلك.

وأضاف الدكتور بيير: "يتشارك السكري أحادي الجين والسكري من النوع الثاني في العديد من الجينات، ما يعني وجود آليات مشتركة للمرض".

وفحص الفريق البحثي مريضين مصابين بالسكري لتحديد نوع الجينات التي تؤثر في تطور المرض، حيث أن أحد المرضى هو شاب فرنسي مصاب بالسكري حديثًا والآخر هو طفل تركي تم تشخيص إصابته بالسكري في عمر 14 شهرًا. وأظهرت الفحوصات أن المريضين قد ورثا العديد من الطفرات في جين واحد وهو "ون كت -1"، حيث توصل الباحثون  إلى أن هذا الجين وتعبيراته يلعبان دورًا محوريًا في الإصابة بمرض السكري.

وتعرف الدكتور بيير إلى حالات إضافية في المنطقة ترتبط بهذا الجين، وتشمل تلك الحالات مريض في لبنان، حيث كشفت الدراسات والتحليلات في هذا المجال عن العديد من الطفرات المختلفة لجين "ون كت -1" وجميعها ترتبط بخطر الإصابة بالسكري.

ويؤثر جين "ون كت-1" على مجموعة متنوعة من العمليات في الجسم التي تتضمن عمليات أيض الغلوكوز، وهو عامل هام في آلية مرض السكر، كما تؤثر تعبيراته على تطور البنكرياس والمرارة وحدوث الطفرات في هذا الجين قد يعيق العمليات المعقدة في الجسم في مراحل مختلفة.

ويقوم البنكرياس بدور فعال في مجال تحويل الطعام إلى طاقة في جسم الإنسان، وهو يساهم في عمليات الهضم وتنظيم معدلات السكر في الدم. ويعتبر الإنسولين أحد الهرمونين الرئيسين الصادرين عن البنكرياس وتكمن وظيفته في الحد من مستويات السكر في الدم، أما الهرمون الثاني فهو  هرمون الغلوكاغون، الذي يساهم في رفع مستويات السكر في الدم. ويعتبر البنكرياس صحيًا عند إنتاج الكمية المناسبة من الإنسولين، أما عند مرضى السكري فإن البنكرياس يساهم في إنتاج كميات قليلة من الإنسولين أو لا يقوم بإنتاجه أبدًا أو قد تُظهر الخلايا عدم استجابة للإنسولين المنتج.

وقام الباحثون أيضًا بالتحقق من نتائجهم البحثية من خلال فحص دفعة تزيد عن 2000 شخص ألماني مصاب بالسكري من النوع الثاني، وتم التعرف إلى 13 حالة ذات طفرات متعددة لجين "ون كت-1". وفي حين تعتبر حالات الإصابة بمرض السكري أحادي الجين من الحالات النادرة، تعتبر حالات الإصابة بالجين الأحادي "ون كت-1" بشكل خاص أكثر ندرة والأكثر ملاءمة لمنهجية الطب الدقيق.

وقال بيير: "لاحظنا أن الجين "ون كت-1" يساهم في تطوير وضبط الآليات المتعلقة بطيف واسع من أنواع مرض السكري. وفي هذا البحث قمنا بتسليط الضوء على الدور الكبير الذي يقوم به جين "ون كت-1" في تنظيم الغدد الصماء، ما يمثل خطوة هامة تجاه الطب الدقيق في مرض السكري".