باحثون من جامعة خليفة يكشفون عن التكنولوجيات الحديثة في مجال التقاط الكربون

يواصل العالم اليوم استهلاكه للوقود الهيدروكربوني بالرغم من محاولاته للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، خاصة بعد القرارات والاتفاقيات التي توصل إليها مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2021 في مدينة غلاسكو، حيث تعتبر هذه الانبعاثات المسبب الرئيس لمشكلة تغير المناخ التي تتطلب منا تضافر الجهود لخفض مستويات الكربون.

وفي هذا الإطار، أقر المجتمع الدولي في العام 2015 العمل ببرنامج اتفاقية باريس للمناخ للحد من متوسط الارتفاع في درجات الحرارة إلى أقل من 2 درجة سيليسية مقارنةً بمعدلات ما قبل الصناعة، وتم اقتراح عدد من الاستراتيجيات الأساسية للتقليل من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري كالتحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة وتطوير التكنولوجيات التي تساهم في التقاط الكربون وحفظه والاستفادة منه كمواد أولية تستخدم في صناعة المواد الكيميائية في ظل اقتصاد دائري ومرن.

ما هي أفضل التكنولوجيات الواعدة في مجال التقاط الكربون؟ 

يوجد العديد من الطرق التي تساهم في التقاط ثاني أكسيد الكربون المنبعث، حيث يمكن استخدام المذيبات الكيميائية بمختلف أشكالها كالأغشية التي تمتص ثاني أكسيد الكربون من خلال جزيئاتها المسامية كأغشية هيدروكسيد البوتاسيوم، إلا أن هذه التكنولوجيا مكلفة اقتصاديًا وتستهلك كمًا كبيرًا من الطاقة، لكن بشكل عام تعتبر تكنولوجيا الامتصاص التي تعتمد على المذيبات الكيميائية إحدى التكنولوجيات الأكثر فعالية في يومنا هذا.

وتحظى مواد الامتصاص المسامية باهتمام كبير على اعتبارها تكنولوجيا واعدة في مجال التقاط الكربون لما تتميز به من خصائص تساهم في توفير الطاقة وذات تكلفة اقتصادية. وفي هذا الصدد، ركز فريق بحثي من جامعة خليفة بحوثه على تطوير التكنولوجيات التي تساهم في التقاط الكربون بشكل فعال وبتكلفة اقتصادية منخفضة.

ضم فريق جامعة خليفة البحثي كلًا من الدكتور أحمد الحجاج، الأستاذ المساعد والدكتور حامد بالوغن، مهندس بحثي والدكتور دانييل باهامون، عالم بحثي وسعيد المنهالي، طالب من برنامج الماجستير والأستاذ لورديس فيغا، وجميعهم من مركز جامعة خليفة للبحث والابتكار في ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين، حيث طور الباحثون أداة منهجية تعتمد على العديد من مؤشرات الأداء الرئيسة كاستهلاك الطاقة والتكلفة لفحص المواد الماصة الجديدة مع الحرص على معايير وزارة الطاقة في الولايات المتحدة في المحافظة على نسبة نقاء ثاني أكسيد الكربون 95% ونسبة 90% معدل التقاط ثاني أكسيد الكربون، حيث نشر الفريق نتائجه البحثية في المجلة العلمية المرموقة "إنيرجي آند إنفايرومنتل ساينس".

وقال الدكتور أحمد: "قمنا بالعديد من المحاولات لتقييم الأداء التقني للمواد الماصة بالاستعانة بالنمذجة والمنهجيات التجريبية، وتعتمد منهجيتنا الأخيرة على عوامل عديدة تشمل نقاء ثاني أكسيد الكربون الذي يتم التقاطه والكمية والطاقة اللازمة لإجراء العملية على صعيد تجاري".

وقام الفريق البحثي بإجراء تجارب فردية لكل مادة في المختبر، كما أجرى العديد من تجارب المحاكاة ليتسنى لهم الاستدلال على المواد الماصة بهدف الاستفادة منها في تطبيقات التقاط الكربون، حيث أجرى الباحثون محاكاة جزيئية لاستخراج البيانات التي تتعلق بفعالية مواد الامتصاص والتي تتمثل بالكمية التي يمكن امتصاصها، إضافة للاستعانة بنموذج عمليات ديناميكي لتحديد الإمكانية الاقتصادية للمواد.

وفي السياق، اختار الباحثون أكثر 5 مواد واعدة في مجال التقاط ثاني أكسيد الكربون هي، الزيوليت و3 هياكل من المعادن العضوية والكربون المنشَّط، حيث تم تقييم جميع هذه المواد في مجال التقاط ثاني أكسيد الكربون من غاز المداخن في محطات الطاقة الصناعية التي تعمل بالفحم المحروق، كما تم فحص أداء المواد من ناحية النقاء ومعدل الالتقاط والإنتاجية واستهلاك الطاقة وتكلفة وحدة غاز ثاني أكسيد الكربون الملتقَط على نطاق تجاري.

ويعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون ثاني أكبر مكون لغازات المداخن بنسبة تتراوح ما بين 4- 25% وفقًا لمصدر الوقود، وهذه الغازات تنتشر في الغلاف الجوي إذا لم يتوفر نظام لالتقاطها وفصلها عن غاز المدخنة.

وقال الدكتور لورديس: "قمنا باستخدام مادة الزيوليت نظرًا لانتشارها الواسع في تطبيقات فصل الغازات في القطاع الصناعي، فهمي تتميز بفعالية في الأداء مقارنة بالمواد الأخرى وذات تكلفة اقتصادية منخفضة".

وأضاف الدكتور أحمد: "ستساهم هذه التكنولوجيا التي طورناها لتقييم المواد الماصة للكربون في توفير الوقت والجهد وفي نفس الوقت غير مكلفة من الناحية الاقتصادية".

يذكر أن الزيوليت هي مواد ذات مسام دقيقة تستخدم كمواد ماصة للغازات ومحفزات وتعتبر في كثير من الأحيان مناخل جزيئية، نظرًا لقدرتها على فرز  الجزيئات بشكل دقيق بالاعتماد على الحجم، إلا أنها تتمتع بقدرة محدودة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون، كما يقل نشاطها بتوفر عنصر الماء وغيرها من الشوائب. لذلك، يمكن استخدام هياكل المعادن العضوية كبديل فعال لولا تكلفته الاقتصادية المرتفعة، وهو ما يتطلب ضرورة مواصلة البحوث المختبرية التي تركز على آلية الاستفادة من هياكل المعادن العضوية في عمليات التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون.