توصل فريق الجامعة بالتعاون مع جامعة إمبريال كوليدج لندن لابتكار يساعد مرضى السكري على مراقبة مستويات السكر وتصحيح مشكلة قصر النظر المرافقة للمرض
باحثون من جامعة خليفة يطورون عدسات لاصقة ثنائية البؤرة لقياس نسبة الجلوكوز في الدم وتصحيح مشكلة قصر النظر

يحدث مرض السكري، وهو أحد الأمراض الأيضية، عند ارتفاع مستويات الغلوكوز في الدم وعدم معالجتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث مضاعفات خطيرة تشمل العمى وأمراض الكلى والقلب والجلطات الدماغية وفقدان الأطراف وانخفاض متوسط العمر المتوقع للإنسان، ويمثل المرض مشكلة صحية عامة رئيسة ويصيب مئات الملايين من الأفراد في جميع أنحاء العالم، مشكلًا عبء اقتصادي كبير على المجتمعات.

يوجد شكلان لمرض السكري، يبدأ الشكل الأول للمرض في فترة الطفولة من خلال عدم قدرة جسم الفرد على إنتاج الأنسولين بشكل كاف، في حين يرتبط السكري من النوع الثاني بالبدانة ويظهر في المرحلة العمرية المتوسط.

 وتلعب العوامل الوراثية دورًا رئيسًا في الإصابة بمرض السكري بنوعيه لدى المواطنين في دولة الإمارات، حيث تعد دولة الإمارات ثاني أعلى دولة في العالم بمعدلات الإصابة بالمرض بنسبة تفوق 1.1 مليون حالة مسجلة، الأمر الذي يشكل مصدر قلق صحي كبير في الدولة يتطلب مراقبة فعالة ومتواصلة لمستويات السكر في دم المريض لعلاجه.

وفي هذا الصدد، قام فريق بحثي مكون من باحثين من جامعة خليفة وجامعة إمبريال كوليدج لندن بتطوير عدسات لاصقة جديدة تساهم في علاج مرضى السكري من خلال مراقبة مستويات الغلوكوز في الدم دون الحاجة لإجراء فحوصات الدم اليومية.

يعتبر رصد مستويات الجلوكوز بالدم بشكل متواصل لدى مرضى السكري أمرًا أساسيًا في التحكم بالمرض وتجنب المضاعفات المصاحبة له. ويُتوقع، بحلول العام 2030، أن يحتل مرض السكري المركز السابع كأكثر الأمراض المميتة انتشارًا، ويتمثل المرض في نقص إنتاج الأنسولين أو عدم قدرة الجسم على الاستفادة من الأنسولين المتوفر  لضبط مستويات الغلوكوز.

ويرافق مرض السكري العديد من المضاعفات طويلة الأمد التي تتطور بشكل تدريجي، وكلما تأخر المريض في ضبط مستويات السكر في الدم زادت خطورة المضاعفات التي قد تعطل وظيفة أحد الأعضاء وتعرض حياة المريض للخطر لأن مستويات السكر المرتفعة في الدم تسبب التلف في جدران الشعيرات الدموية التي تغذي الأعصاب وفي الأوعية الدموية للكلى والأوعية الدموية في شبكية العين مسببًا ذلك الإصابة بالعمى.

ضم الفريق البحثي مجموعة من الباحثين من جامعة خليفة هم، الدكتور حيدر بات، الأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية والدكتور محمد الشريف، باحث دكتوراه والدكتور فهد علم، باحث دكتوراه والدكتور بدر القطان، باحث زائر  وخريج برنامج ماجستير العلوم أحمد صالح إضافة للدكتور علي يتيسن، الأستاذ المشارك في الهندسة الكيميائية في جامعة إمبريال كوليدج لندن. ونشر الفريق بحثه في المجلة العلمية المرموقة "سمول".

من جانبه، قال الدكتور حيدر: "برزت أنظمة رصد نسب الجلوكوز بشكل مستمر لتسهيل القياس بشكل متكرر خلال اليوم، وهو ما قد يُحدث ثورة في مجال التحكم بمرض السكري، ولكن هذه الأنظمة في الوقت الحالي محدودة بسبب ارتفاع تكلفتها الاقتصادية، كما أنها تتطلب إعادة معايرة مرتين في اليوم كحد أدنى لفقدان الإشارة. إضافة لذلك، تقوم أنظمة الرصد التجارية بالكشف عن تركيز الغلوكوز في السائل بين الخلايا، والذي يتطلب جهاز فحص كهروكيميائي يدخل عبر الجلد من خلال عملية جراحية يمكن تفاديها باللجوء إلى وسائل أخرى. وفي هذا الإطار، يقوم ابتكارنا على عدسات لاصقة ذات أدوات استشعار قادرة على أخذ العينة وقياس مختلف العلامات الحيوية من خلال الدموع، لا سيما تلك التي تشير إلى ارتفاع مستويات الغلوكوز".

وتشكل الدموع وسيلة سهلة الوصول إليها والتي يمكن بواسطتها تشخيص أمراض السرطان والزهايمر وباركنسون والتليف الكيسي والتصلب الجهازي والغلوكومل دون الحاجة لسحب الدم، حيث أتاح التقدم في مجال الأجهزة الإلكترونية والتصنيع الدقيق الاستفادة من أجهزة الاستشعار الحيوية في صناعة العدسات اللاصقة دون حجب الرؤية.

وتوفر العدسات اللاصقة التي طورها الفريق طريقة جديدة في قياس نسب الجلوكوز لدى مرضى السكري من خلال دمج أجهزة الاستشعار التي تساهم في انحراف الضوء والمكونة من مصفوفة هيدروجيل المستخدمة في صناعة العدسات اللاصقة. وتتميز مادة الهيدروجيل بأنها مادة ملساء ومرنة ورقيقة تُستخدم في الولايات المتحدة لصناعة ما يزيد على 90% من العدسات، كما تعتبر بوليمرات قابلة للانتفاخ في الماء لتحافظ على هيكلها ثلاثي الأبعاد.

وعلى صعيد آخر، تعتمد أجهزة مراقبة الجلوكوز التقليدية على أجهزة استشعار إنزيمية تتفاعل من خلالها الإنزيمات مع جزيئات الغلوكوز محدثة إجابة كهربائية قد ترتبط بزيادة تركيز الغلوكوز وهي عالية الدقة وتوفر نتائج سريعة، إلا استقرارها قصير الأمد بسبب تأثرها بدرجة الحرارة مستويات درجة الحموضة والرطوبة. أما بالنسبة للإنزيمات، فهي غير مستقرة بطبيعتها وقد يساهم تعقيم العدسات اللاصقة في تغيير طبيعة تلك الأنزيمات في أجهزة الاستشعار، ما قد يؤثر على تجاوبها في العين.

تعتمد أجهزة الاستشعار التي تساهم في انحراف الضوء على جزيئات ترتبط مع أجزاء في جزيئات الغلوكوز  محدثة تغييرات في حجم العدسة اللاصقة المصنوعة من الهيدروجيل، حيث تنتفخ هذه العدسات عند الكشف عند وجود الغلوكوز. لذلك/ استعان الفريق البحثي بأجهزة استشعار الضوء في الهاتف الذكي لالتقاط الضوء المنعكس من العدسات اللاصقة، وبعدها يتم استخدام البيانات لتحديد مستويات الغلوكوز.

وأضاف الدكتور حيدر: "يمكن الاستفادة من الهاتف الذكي كقارئ محمول لأجهزة استشعار الجلوكوز، كما يمكننا تثبيت مصدري ضوئي في إطار النظارات التي يمكن ارتداؤها وقت حاجة المريض لقياس تركيز  الغلوكوز، حيث يقوم شعاع الضوء بتوجيه مساره نحو العدسة ليقوم كاشف الضوء بجمع البيانات المتعلقة بكمية الضوء المنعكس، مرسلًا هذه المعلومات إلى هاتف المريض من خلال البلوتوث حيث تطبيق الهاتف بمقارنة الإشارات المرسلة مع تركيز الجلوكوز في الدموع".

وفي سياق آخر، طور الفريق البحثي العدسات اللاصقة بطريقة أخرى تساهم في تصحيح مشكلة قصر النظر إلى جانب رصد نسبة الغلوكوز، حيث تميز ابتكار الباحثين بأنه ثنائي البؤرة يتيح للمرضى الحصول على رؤية واضحة من مسافات قريبة وبعيدة، خاصة وأن من أكثر مضاعفات مرض السكري شيوعًا مشكلة قصر النظر الذي من خلاله لا يتمكن المريض من رؤية الأشياء البعيدة بوضوح. وبدورها ساهمت العدسات اللاصقة ثنائية البؤرة في تصحيح مشكلة قصر النظر والحد من تفاقمه لدى مرضى السكري.

وتلعب هذه العدسات كذلك دورًا رئيسًا في كأداة نقل المعلومات للشخص مرتديها، فبينما يتم الكشف عن الجلوكوز في الدموع تنتفخ العدسات ويتغير شكلها وبالتالي يتغير مجال التركيز  بالنسبة للمريض وتصبح الرؤية غير واضحة، وهو ما يستدعي القيام بفحص مستوى الغلوكوز في الدم وزيادة مستوى الأنسولين. إضافة لذلك، أظهرت العدسات اللاصقة التي طورها الباحثون استقرارًا طويل الأمد وفعالية من حيث إمكانية إعادة استخدامها عدة مرات، فالعدسات التي تم حفظها لمدة ثلاثة أشهر أبدت استجابة مشابهة لتلك التي تم تحضيرها حديثًا.