يساهم دمج النماذج في الحصول على تنبؤات دقيقة في المجالات الطبية في ظل شح البيانات ومحدودية المعرفة الطبية
باحثون من جامعة خليفة يدمجون النماذج الرياضية مع تعلم الآلة لتحقيق معدلات تنبؤ أعلى بانتشار الأورام

يمكن الحصول على البيانات الكبيرة في مجال الرعاية الصحية من خلال العديد من المصادر كسجلات المستشفيات والسجلات الطبية ونتائج الفحوصات الطبية والبحوث الطبية الحيوية التي تساهم في إنتاج كميات كبيرة من المعلومات التي تتطلب الحرص والدقة في التعامل معها.

ويواجه الأطباء والباحثون في بعض الأحيان صعوبة في فهم آلية تطور المرض والميكانيكيات الكيميائية الحيوية وراءه، وقد تكون البيانات المتوفرة غير  كافية لأنها تعتمد على حضور المريض الفعلي للعيادة.

وتعتبر دقة النتائج الطبية لأي نموذج رياضي أمرًا محدودًا نظرًا لتعذر فهم الميكانيكيات البيولوجية التي يستند إليها ذلك النموذج. ومن جهة أخرى، لا تتطلب تقنيات تعلم الآلة معرفة بالميكانيكيات البيولوجية لكن عدم انتظام البيانات يؤثر على استخدامها من خلال تقييد قدرة أي خوارزمية في الاستدلال على ديناميكيات المرض بشكل دقيق.

وقد يشكل دمج المنهجيتين الحل الأنسب لتلك المشكلة. ففي هذا الصدد، قام الدكتور هارالامبوس هاتزيكيرو، الأستاذ المشارك في الرياضيات في جامعة خليفة، بإيجاد طريقة لتحسين التنبؤات الفردية لدى مرضى السرطان، بناءً على منهجية العالم بايز، من خلال الدمج بين النماذج الرياضية وتعلم الآلة. وتم اختبار  هذه المنهجية عن طريق إجراء محاكاة لمجموعة بيانات لورم دماغي لمريض وعلى مجموعتين لمرضى حقيقيين يعانون من سرطان الدم وسرطان المبيض وكانت النتائج قريبة جدًا من البيانات الطبية الفعلية للمرضى، الأمر الذي عزز  إمكانية الاستفادة من هذه المنهجية في مجال التنبؤات السريرية الدقيقة للأفراد في منظومة الرعاية الصحية.

وضم الفريق البحثي إضافة للدكتور هارالامبوس كل من بيترو ماشيروني ومايكل ميير هيرمان وخوان كارلوس لوبيز ألفونسو من مركز براونشفيغ المتكامل للأنظمة البيولوجية ومركز هيلمولتز لبحوث الأمراض المعدية في ألمانيا، إلى جانب الدكتور سايمون سافوبولوس، وهو زميل دكتوراه في الرياضيات في جامعة خليفة، حيث نُشرت نتائج بحثهم في المجلة العلمية الدولية "نيتشر كوميونيكيشنز ميديسن".

وفي إطار الممارسات الطبية، يتم إجراء عدد كبير من الفحوصات الطبية بهدف تقييم حالة المرضية للفرد من خلال الحصول على مجموعة متنوعة من البيانات الطبية. وفي مجال الأورام، تعتبر هذه البيانات حجر الأساس في تزويد المريض بالرعاية الصحية اللازمة، إلا أن طريقة الاستفادة من هذه البيانات تشكل تحديًا كبيرًا.

من جانبه، قال الدكتور هارالامبوس: "يمكن أن تكون النماذج الرياضية فعالة بشكل كبير في التنبؤ بالفرضيات البيولوجية، لكنها تتطلب المعرفة الكافية بالميكانيكيات البيولوجية التي تقوم عليها، وهذه المعرفة غير كاملة وتقتصر على كمية محدودة من الميكانيكيات، ومثال ذلك المسارات الجزيئية للسرطان. ففي حين أن النماذج الرياضية توفر وصفًا وافيًا لنموذج مثالي لما يحدث في ديناميكيات السرطان، إلا أن تلك النماذج غير قادرة على توفير التنبؤات الدقيقة".

وأضاف: "يمكن لتقنيات تعلم الآلة أن تساهم في حل مشكلات الميكانيكيات البيولوجية. ولأن النماذج الرياضية تعتمد على السببية، فإن طرق التعلم الإحصائي تساهم في تحديد العلاقات ما بين البيانات لتتمكن من إجراء العمليات على كمية كبيرة من البيانات بصورة منتظمة، وبالتالي استقراء أنماط البيانات المخفية".

واستعان الدكتور هارالامبوس والفريق البحثي بالنظرية البايزية التي تجمع ما بين التقنيتين.

وتركز نظرية بايز على الاحتمالات القائمة على الخبرات السابقة التي تساهم في توفير بعض المعلومات والتي يمكن تحديثها في حال توفر المزيد من البيانات، حيث أن قانون الاحتمالية هو الذي يتحكم في قوة الأدلة والذي يحدد كمية الاحتمالات الواجب مراجعتها للتوصل لدليل جديد. فعلى سبيل المثال، إذا حصل المريض على نتيجة إيجابية لمرض السرطان، يمكنك تحديد عدد الأشخاص الحاصلين على نتائج إيجابية لمرض السرطان والمصابين بالمرض بالفعل.

وتم تصميم نموذج رياضي لمحاكاة تطور ورم في الدماغ ومن ثم نموذج لتعلم الآلة ليتم دمج المنهجيتين مع بعضهما، حيث توصل الباحثون بعد ذلك أن المنهجيتين معًا أظهرتا فعالية في الأداء في مجال التنبؤات لمدة تزيد على 6 أشهر.

وقال الدكتور سايمون: "تمكن نموذجنا من تصحيح تنبؤات النماذج الرياضية لمعظم المرضى، وبعد ذلك قمنا باختبار  النموذج الذي طورناه على مجموعتين فعليتين من مرضى سرطان الدم وسرطان المبيض باستخدام بياناتهم للتأكد من نتائج المتغيرات".

 

وقال الدكتور هارالامبوس: "تهدف منهجيتنا إلى إيجاد الحلول للعديد من المشكلات التي يشهدها عالم الطب والتي تتعلق بمحدودية البيانات التي يتم جمعها عن المريض والمعرفة المحدودة في بيولوجيا السرطانات، حيث أثبت نموذجنا تميزه في القدرة على توفير التنبؤات على الرغم من وجود بعض التحديات التي لاحظناها في اختباراتنا والتي لا بد من معالجتها عند تطبيق هذه المنهجية في الواقع".

يُذكر أن هذه المنهجية المدمجة ليست حكرًا على أمراض الأورام، حيث يمكن الاستفادة منها في جميع التطبيقات المتعلقة بالتنبؤات السريرية ذات البيانات المحدودة وفي حال عدم توفر المعرفة الكافية حول ميكانيكيات المرض، كما يمكن حل مجموعة واسعة من المشكلات الطبية باستخدام هذه المنهجية بهدف توفير تنبؤات دقيقة لمنظومة الرعاية الصحية.