باحثون من جامعة خليفة يكشفون أثر الجينات في كلى الإبل على مستويات الكوليسترول ودورها في الاحتفاظ بالماء

تعتبر الإبل في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية في شمال وشرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وإيران من أهم أنواع المواشي، كما أنها لا تزال تشكل حاجة أساسية لملايين الأفراد، حيث كانت تستخدم في النقل لما يزيد عن 3000 سنة وهي أيضًا مصدر للحليب واللحم و تشارك في السباقات الرياضية.

ويعتبر الجمل العربي رمزًا للمنطقة العربية، ويتمتع بسنام واحد يحتفظ بمقدار من الدهون يصل إلى 80 باوند (حوالي 36 كيلو غرام)، وهو ما يتحول فيما بعد إلى ماء وطاقة خلال رحلاته الطويلة بحثًا عن الماء والطعام.

ولفهم آلية احتفاظ الإبل بالماء بشكل أفضل، قام الدكتور عبده آدم، أستاذ علم الأدوية في جامعة خليفة، بالإشراف على فريق بحثي من جامعة بريستول وجامعة الإمارات الذين نجحوا في فحص جينات كلى الإبل بعد أن تعرضت لجفاف حاد بهدف التعرف إلى آلية تعايشها لفترات طويلة في ظروف مناخية قاسية دون شرب الماء والدروس التي يمكن للإنسان أن يتعلمها من ذلك، حيث قام الفريق البحثي بنشر نتائج بحثهم في المجلة العلمية الدولية "كوميونيكيشنز بيولوجي".

وفي السياق، قال الدكتور عبده: "تضمن عمليات التكيف السلوكية والنفسية أن الماء لا يذهب هباء، حيث تأكل الإبل أوراق النباتات وتتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس بقدر الإمكان وتتكاثر في فصل الشتاء وتشرب كميات كبيرة من الماء عندما يتوفر لتقوم بتعويض نقص السوائل الناتج عن التجوال في الصحراء".

وتُعرف الإبل بقدرتها على شرب 30 غالونًا من الماء في 13 دقيقة فقط، كما تحظى بقدرة على التكيف في تجنب الصدمة الإسموزية من خلال شرب الماء ببطء، فلديها ممر أنفي معقد يمنع فقدان الماء خلال عملية الزفير وإنما يتبخر على سطح فتحتي الأنف ليرطب الهواء الجاف خلال التنفس، وهو ما يساهم في خفض درجة حرارة الدم في أوردة الأنف.

ويساهم الدم المبرد في الأوردة بفضل جدران الأوعية الدموية الرقيقة في تبريد الدم في الشرايين المؤدية إلى الدماغ، ما يعني أن دماغ الجمل له درجة حرارة منخفضة مقارنة بدرجة حرارته جسده ككل، كما تحظى خلايا الدم الحمراء بشكل خاص يساهم في تحمل الجفاف، إضافة إلى حقيقة أن الإبل قلما تقوم بعملية التعرق حتى في أشد درجات الحرارة وبذلك فإنها تحتفظ بالماء  لأطول فترة ممكنة.

وأضاف الدكتور عبده: "في سياق تغير المناخ، يوجد توجه جديد في الآليات التي تمكن الإبل من التعايش في الظروف الصحراوية، حيث قمنا بفحص الكلى عند الإبل للتعرف إلى طريقة تأثر الجينات بالجفاف الحاد وعملية تعويض السوائل السريعة. وفي هذا الإطار، توصلنا لتحليل مفاده أن الجينات المسؤولة عن الاحتفاظ بالماء تتأثر بمستويات الكوليسترول الذي يساهم الحد من إنتاجه في تعزيز دور الكلى على الاحتفاظ بالماء".

من ناحية ثانية، يتميز البول الذي تخرجه الإبل بأنه عالي التركيز للاحتفاظ بأكبر نسبة ممكنة من الماء، الأمر الذي يتطلب توفر خصائص تشريحية معينة في الكلى. وأثبتت البحوث السابقة في هذا المجال أن الكلى لدى الإبل الصغيرة في العمر تختلف في تركيبها عن تلك البالغة والذي يفسر النقص الكبير في الماء عند الإبل البالغة الذي ينتج عنه جفاف حداد يؤثر على دور الجينات ويعزز آلية الاحتفاظ بالماء بشكل أفضل.

ولاحظ الفريق البحثي وجود دور فعال لنسبة الكوليسترول في الكلى خلال عملية الاحتفاظ بالماء، حيث تقل النسبة في أغشية الكلى عند الإبل التي تعاني من الجفاف.

وقال الدكتور عبده: "لاحظنا تغيرات كبيرة في كميات بعض الجينات والبروتينات في كلى أحد الإبل العربية خلال فترة تعرضه للجفاف الحاد وتليها عملية سريعة لتعويض السوائل، حيث خرجنا بنتائج تشير إلى أن الجينات في التركيب الحيوي للكوليسترول وما نجم عنه من انخفاض بنسب الكوليسترول في أغشية الكلى هو ردة فعل  الكلى للجفاف".

تؤدي درجات الحرارة المرتفعة والجفاف إلى حدوث اختلال في كهرباء الجسم إلا أن الكلى تعد واحدة من العوامل التي تحافظ على توازن مستويات الشحنات الكهربائية، وعند زيادة نسب الكوليسترول في أغشية الكلى تتوقف الحركة خلال القنوات الأيونية، لا سيما وأن العديد من الناقلات والقنوات الأيونية يتم تنظيمها من قبل تغير مستويات الكوليسترول في الخلية، أما في حال انخفضت مستويات الكوليسترول فإنه يمكن للماء والشحنات الكهربائية الحركة والتنقل في مختلف أجزاء الكلية، مما يساهم في إعادة امتصاص الماء وإنتاج البول عالي التركيز.

وتوصل الباحثون أيضًا إلى أن الجينات التي تنظم عملية إنتاج بروتينات "أكوابورين-2" خلال فصل الصيف تكون أكثر فاعلية بهدف الاستعداد للظروف المناخية الصعبة خلال الفصل، حيث تساهم تلك البروتينات في تشكيل قناة داخل الأغشية الخلوية تتيح لجزيئات الماء المرور من خلالها. وفي حالات الجفاف، تندمج قنوات بروتينات "أكوابورين-2" في الأغشية الخلوية للكلية لتسمح بإعادة امتصاص الماء في مجرى الدم، ما يسبب زيادة في تركيز البول. وتوصل الباحثون كذلك إلى أن انخفاض معدلات الكوليسترول تؤدي إلى ارتفاع مستويات بروتينات "أكوابورين-2".

وعلى صعيد آخر، عندما يقوم الجمل بتعويض السوائل عند عثوره على مصدر للماء، فإن فعالية الجين تتوقف وتُغلق القنوات وتعود مستويات الكوليسترول إلى معدلاتها الطبيعية.

يذكر أن هذا البحث يساهم في تعزيز فهمنا لمزايا التطور  التي يقوم بها الجمل العربي للتعايش في الصحراء وتحقيق التطور  الأفضل في مجال التصحر في ظل تغير المناخ، كما يساهم فهم آليات ضبط نسب الماء في حالات الجفاف في تطبيق العديد من المفاهيم التي من شأنها دعم مفهوم الحفاظ على الماء في نطاق واسع من التخصصات.