إزالة الكربون صناعيًا باستخدام الهيدروجين

يعد الهيدروجين حلًا ممكنًا لتحقيق الصناعات الأكثر استدامة، إلا أن بعض العوامل التقنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية تحول دون ذلك، وذلك وفقًا للورقة البحثية التي أجراها فريق دولي من الخبراء من مختلف التخصصات.

ويمثل عنصر الهيدروجين الخالي من الكربون، أو ما يُعرف بالهيدروجين الأخضر، الطريقة الأمثل لتحقيق اقتصاد منخفض الكربون يستحوذ على اهتمام الجميع، حيث تساهم التطورات التكنولوجية والتكلفة الاقتصادية للهيدروجين بشكل كبير في التوصل إلى اقتصاد خال من الكربون كوقود أو كمواد أولية.

ويوفر الهيدروجين عند استخدامه كوقود إمكانات مهمة لعدم انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون عند احتراقه أما في حال استخدامه كمواد أولية، فقد يحل الهيدروجين منخفض الكربون محل المواد الأولية كثيفة الكربون في العديد من العمليات الصناعية كصناعة الفولاذ.

وفي إطار الصناعة والمناخ العالمي، يقدم الدكتور ستيف جريفث، نائب رئيس أول في البحث والتطوير  والأستاذ الممارس في جامعة خليفة، تقييمًا منهجيًا ومتعدد التخصصات لعملية التخلص من الكربون عن طريق الهيدروجين، حيث قام الدكتور ستيف وفريقه البحثي بالاطلاع على أكثر من 2,100 مصدر  للأدلة والبراهين والرجوع إلى ما يزيد على 700 دراسة باستخدام عدسة اجتماعية تقنية لفحص الهيدروجين والاستفادة منه في العديد من الصناعات. ويعتبر هذا المشروع جزءًا من مجموعة واسعة من الدراسات التي يتولاها الفريق البحثي بدعم من مركز البحوث والابتكارات الصناعية للتخلص من الكربون في المملكة المتحدة.

وضم الفريق البحثي كلًا من الدكتور بنجامين سوفاكول من جامعة ساسكس في المملكة المتحدة والدكتور جنسو كيم من جامعة هانيانغ في جمهورية كوريا والدكتور مورغان بازيليان من جامعة كولورادو للمعادن وجواو أوراتاني، مهندس بحثي في جامعة خليفة. وتم نشر دراستهم البحثية في المجلة العلمية المرموقة "إينيرجي ريسيرتش آند سوشال ساينس".

من جانبه، قال الدكتور ستيف: "أصبح الهيدروجين يحتل مكانة هامة كناقل رئيس للطاقة نظرًا لتعدد استخداماته في مجال التخزين الكيميائي للطاقة والاستفادة منه في الإنشاءات وقطاع النقل والقطاعات الصناعية الأخرى، كما يعتبر الهيدروجين أحد الخيارات الرئيسة في العديد من القطاعات الصناعية التي تركز على إزالة الكربون، خاصة الصناعات التي تتطلب الهيدروجين كمادة خام في العمليات الكيميائية".

ويعد الهيدروجين من أكثر العناصر الكيميائية شيوعًا، إلا أن ذراته لا تتوفر في الطبيعة بشكل منفرد، حيث لابد من إنتاج ذرات الهيدروجين عن طريق فصله من عناصر أخرى من موارد مختلفة تشمل المياه والنباتات والوقود الأحفوري. وتعتمد استدامة الهيدروجين بشكل كبير على الطريقة المستخدمة لإنتاجه.

وبالرغم من محدودية نطاق استخدام الهيدروجين في الوقت الحالي، إلا أن الوضع سيختلف مستقبًلا. ففي السابق، كانت العمليات الصناعية التي تركز على صناعات الفولاذ والإسمنت والسيراميك والزجاج والمواد الكيميائية تحتاج إلى كميات متفاوتة من درجات الحرارة المرتفعة، لذلك يعتبر الهيدروجين واحدًا من الحلول القليلة طويلة الأمد التي يمكن أن تحل مكان الوقود الأحفوري.

ويكمن التحدي الأساسي في رفع مستوى سلسلة توريد الهيدروجين في تخفيض كلفة تصديره، حيث لا تزال التكنولوجيات المتوفرة في الوقت الحالي والمسؤولة عن تصدير الهيدروجين وتوزيعه لمسافات طويلة على شكل سائل مكلفة اقتصاديًا أكثر من مصادر الوقود الأخرى كالنفط والغاز. وفي هذا الإطار، قد يلعب الهيدروجين أو أحد مشتقاته وتحديدًا الأمونيا دورًا بارزًا في عمليات التصدير لمسافات بعيدة، إذ أصبح نقل الهيدروجين عن طريق خطوط الأنابيب الوسيلة الاقتصادية في الوقت الراهن لتوزيع الهيدروجين على نطاق واسع.

ويشكل نقص توفير شبكات عالمية متخصصة لخطوط الأنابيب الهيدروجينية تحديًا رئيسًا يمكن التغلب عليه في حال تأسيس تجارة الهيدروجين على المستويين المحلي والإقليمي. وتعتمد التكلفة النهائية للهيدروجين في التجارة الدولية على ما يتطلبه من تكاليف الإنتاج والتصدير، وقال الدكتور ستيف في هذا الصدد: "سيكون الربط بين منتجي الهيدروجين والمستهلكين على مستوى عالمي من خلال التكلفة الأكثر فعالية تحديًا كبيرًا". ويتعين أخذ هذه الاعتبارات بعين الاعتبار في مجال ربط التوريد مع الطلب العالمي، حيث يمكن للعوامل الاجتماعية السياسية أن تعيق دور الهيدروجين في عمليات إزالة الكربون الصناعية.

وعلى صعيد آخر، تركز الورقة البحثية على الأنظمة الاجتماعية والتقنية المتعلقة بصنع وتوزيع الهيدروجين واستخدامه، كما يركز الباحثون في الورقة على البيانات المؤسسية والسياسات وأطر التنظيم والمؤهلات الاقتصادية والمالية.

وقال الدكتور ستيف: "تتطلب عملية إزالة الكربون الصناعية عبر الهيدروجين آليات سياسية تحاكي توريد الهيدروجين والطلب عليه ودعم تطوير البنية التحتية لسلسلة التوريد".

ويمكن للسياسات أن تحفز عمليات الابتكار كما يمكن للأموال المخصصة أن تدعم البحث والتطوير في القطاعين الأكاديمي والصناعي.

وتتفاوت الدول في تطبيق الأنظمة المتعلقة بالهيدروجين، حيث تسعى المؤسسات التنظيمية المحلية والإقليمية إلى تبني أدوات سياسية متناسقة لضمان الوصول إلى أسواق الهيدروجين الدولية، إضافة لتعزيز الأطر التنظيمية المتمركزة حول السلامة ومراقبة الجودة.

ويعتمد مستقبل العلاقات في مجال تجارة الهيدروجين على اعتبارات جغرافية سياسية.

وفي هذا الإطار، علق الدكتور ستيف قائلًا: "يعتبر الهيدروجين الخالي من الكربون أمرًا ضروريًا للصناعات الكيميائية وصناعات التكرير الخالية من الهيدروجين، كما أنه مهمًا في عدد من الصناعات الأخرى".

وقد يساهم تطبيق الهيدروجين الخالي من الكربون في مجموعة كبيرة من القطاعات في تحقيق الفائدة لعدد كبير من الشركات والاقتصادات على رأسها شركات النفط والغاز التي تواجه وبشكل متزايد دعوات لوقف إنتاج الوقود الأحفوري.

وتوصل الباحثون إلى أنه يتطلب تحقيق الأهداف الطموحة للاستفادة من الهيدروجين مزيدًا من الدراسات التي تتنوع ما بين البحث والتطوير ومحاكاة الأسواق ووضع الاعتبارات المتعلقة بالعوامل الجغرافية السياسية المحتملة وآثارها، إضافة للنظر في الفرص والتحديات التي تقف أمام الدول النامية عند اعتماد الهيدروجين.

يُذكر أن معظم المقالات التي تركز على الهيدروجين تشمل المقالات الهندسية ومقالات في العلوم الطبيعية، أما مقالات العلوم الاجتماعية تمثل جزءًا صغيرًا من مجموع الورقات البحثية التي نُشرت، وهو ما يعني أنه لا تزال هناك مساحة واسعة لإجراء المزيد من الدراسات المفصلة حول الجوانب الاجتماعية التقنية لاستخدام الهيدروجين.