يُناقش الدكتور ستيف جريفث الخطوات اللازمة لتحقيق قيمة صفرية لانبعاث الكربون في دول مجلس التعاون الخليجي في محاضرة افتراضية يعقدها معهد الشرق الأوسط
باحث من جامعة خليفة يدرس إمكانية الموازنة بين كمية انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري والكمية المزالة من الغلاف الجوي بحلول العام 2050

نشرت وكالة الطاقة الدولية في مايو 2021 تقريرًا مرجعيًا يركز على تحقيق القيمة الصفرية في انبعاثات غاز الكربون بحلول العام 2050، وتضمن التقرير العديد من المقترحات التي من بينها الدعوة إلى الوقف الفوري للمشاريع القائمة على التنقيب والتطوير في قطاع صناعة النفط والغاز. ومن ناحية أخرى، لا تزال اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على النفط والغاز بشكل كبير  كمصدر دخل محلي بالرغم من تنوع المبادرات الاقتصادية في الآونة الأخيرة. وفي هذا الصدد، نطرح الأسئلة التالية: ما مدى مصداقية النهج الذي رسمته وكالة الطاقة الدولية لتحقيق قيمة صفرية للكربون بحلول العام 2050 وكيف سيؤثر ذلك على الدول المنتجة للنفط في المنطقة؟

يعتبر موضوع القيمة الصفرية جزءًا لا يتجزأ من النقاش الأوسع نطاقًا والمتعلق بموضوع تحول الطاقة، وهو التطور العالمي في نظام الطاقة من شكل لآخر. وشهد العالم خلال القرن التاسع عشر اعتمادًا كبيرًا على الوقود الحيوي، ثم بعد ذلك نشأت الثورة الصناعية وتحولت المجتمعات إلى استخدام الفحم كشكل جديد من أشكال الطاقة. وفي العقود القليلة الأخيرة، أصبح الفحم والنفط والغاز مصادر رئيسة للطاقة مع انتشار المواد الهيدروكربونية، إضافة لظهور مصادر الطاقة المتجددة، حيث بدأنا مشاهدة موضوع الاستدامة يحظى بدور بارز . لذلك، نطرح السؤال التالي: ماذا يُتوقع أن يحدث خلال 80 سنة قادمة بعد انتهاء عصر النفط خاصة وأننا نسعى إلى تحديد نسب انبعاث الغاز الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري؟

يعتبر من الأفضل لكوكب الأرض الحد من نسبة الاحتباس الحراري ليصل إلى درجة 1.5 درجة سلسيوسية ذلك لأن قضايا المناخ ستتفاقم عند وصول درجة الحرارة إلى 2 درجة سلسيوسية. ويساهم موضوع العام 2050 بفتح باب النقاش أمام مدى سرعة الحد من انبعاثات الغاز.

يحتوي التحليل الذي طرحته وكالة الطاقة الدولية على ثلاثة سيناريوهات، وهي: المشاريع التجارية والتطوير المستدام والقيمة الصفرية، حيث لا يعد سيناريو المشاريع التجارية خيارًا في هذا الجانب.

ويعد سيناريو التطوير المستدام هو الطريق لتحقيق حل القيمة الصفرية ولكن بشكل طويل الأمد، حيث يُتوقع أن تنخفض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عالميًا من قطاع الطاقة والعمليات الصناعية بنسبة تزيد عن 70% بحلول العام 2050 وستحقق القيمة الصفرية مع قدوم العام 2070، الأمر الذي سيحد من الاحتباس الحراري العالمي بمقدار يقل عن درجتين سلسيوسية مقارنة بدرجات حرارة ما قبل الصناعة.

ويتوقع تقرير  وكالة الطاقة الدولية مؤخرًا، وهو القيمة الصفرية بحلول عام 2050، أن نسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ستنخفض عالميًا لقيمة صفر في العام 2050، وهو ما سيخفف من الاحتباس الحراري لأقل من 1.5 درجة سلسيوسية.

ويوجد هناك العديد من السيناريوهات التي تركز على نظام القيمة الصفرية والذي يؤثر بدوره على قطاع النفط والغاز بشكل كبير، فإذا اتبعنا نظام القيمة الصفرية بحلول العام 2050 سنصل الذروة في مجال إنتاج النفط.

ويتطلب الوصول لقيمة صفرية في العام 2050 انخفاضًا في الطلب على النفط بنسبة 70%، حيث سنلاحظ انخفاضًا سريعًا في الطلب على النفط في العقود الثلاثة المقبلة فيما لو اتبعنا هذا المسار. أما بالنسبة للغاز الطبيعي، سيتحقق الانخفاض خلال العقد الحالي بشكل أسرع من النفط.

ووفقًا لمنهجية القيمة الصفرية 2050، يُتوقع تغير سريع في أنماط استهلاك الطاقة عالميًا، يصحبه انخفاض حاد في الطلب على النفط بشكل خاص. ولنتمكن من اتباع توصيات وكالة الطاقة الدولية يجب أن نتوقف عن تطوير الحقول النفطية الجديدة بشكل فوري ونقل الإنتاج إلى الحقول القائمة في الوقت الحالي، وكذلك الحال بالنسبة للغاز الطبيعي.

يشكل نظام القيمة الصفرية 2050 موضوعًا قابلًا للنقاش ويعتبر التخطيط لتحقيقه أمرًا في غاية الأهمية، حيث سيكون هناك قيمة صفرية لكن ليس بحلول العام 2050، إلا أنها ستتحقق يومًا ما وستؤكد على أن منتجي الهيدروكربون منخفض التكلفة هم من يواصلون لأطول فترة ممكنة.

وفي السياق، ستنخفض أسعار النفط عندما يزداد الطلب عليه وبالتالي زيادة نسبة احتياطي النفط وانخفاض كلفة الطلب على النفط وزيادة في إنتاج المواد منخفضة الكربون مستقبلًا في الدول ذات الاقتصادات القادرة على تحمل آثار نقص الدخل الناتج عن تصدير النفط والغاز كدول مجلس التعاون الخليجي.

وتحتاج شركات صناعة النفط والغاز للتخطيط للقيمة الصفرية إلى اتباع استراتيجيات الحد من نفقات الإنتاج والتحول من التنقيب إلى التكرير وإنتاج المواد البتروكيميائية والاستثمار في الطاقة منخفضة الكربون والتحول من شركات النفط والغاز إلى شركات للطاقة، كما يتعين على شركات النفط الوطنية استثمار النفط واحتياطي الغاز  بأقصى قدر ممكن. وتسعى شركات النفط الوطنية في منطقة الخليج لإنتاج النفط والغاز الأخضر خلال بحثها عن مصادر الطاقة منخفضة الكربون وبما يتماشى مع طموحات نظام القيمة الصفرية.

وعلى صعيد آخر، سيواجه منتجو النفط ومصدروه العديد من التحديات الاقتصادية عند التحول في أنظمة الطاقة، إلا أن الاستراتيجيات المتنوعة توفر  الفرص والاحتمالات بشكل مستمر  لدول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق قيمة صفرية عالمية.

يُذكر أن التحول في مصدر الطاقة من النفط إلى مجموعة من المصادر النفطية في المستقبل يتطلب تحولًا اقتصاديًا بالنسبة لدول منطقة الخليج، إضافة لدعم الدول والاقتصادات الأخرى في جميع أنحاء العالم من خلال تعجل حركة الطلب على النفط. وسيواصل النفط والغاز دوره الرئيس في العديد من أنظمة الطاقة بالرغم من السعي العالمي نحو تكنولوجيات الحد من الكربون لتحقيق قيمة صفرية، حيث من الواضح أن قطاع النفط والغاز  هو جزء من موضوع القيمة الصفرية واسع النطاق.